من صيد الخاطر: «مُغيرَة الرأي»
«مُغيرَة الرأي» هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، وهو أحد كبار الصحابة، عُرف بقوته وشجاعته، ولُقِّبَ بـ «مغيرة الرأي» لدهائه وسرعة بديهته وحُسن جوابه، وحَصَلَ أن ولّاه الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وأرضاه، إمارة البحرين، لكنه كان شديداً على أهلها، فاشتكوه إلى الفاروق، فعزله من أجلهم.
إلا أنهم لم يكتفوا بذلك، فقد خافوا أن يُعيده الخليفة عمر إليهم لمعرفتهم بمحبته واحترامه له، ففكروا في مكيدة تبعده عنهم، فقاموا بجمع 100 ألف دينار، ثم بعثوا بأحد شيوخهم إلى عمر ليُكمِل عنده مؤامرتهم ضد المغيرة.
دخل مبعوث أهل البحرين على الخليفة، وصادف أن كان المغيرة حاضراً عنده، تقدم الشيخ وقال: يا أمير المؤمنين جئتك من البحرين وأهلها يقرئونك السلام حاملاً معي 100 ألف دينار كان المغيرة قد أمّنها عندي، بعد أن سرقها من بيت مال المسلمين، وها أنا أعيدها لك وأنا شاهد على ذلك.
التفت الفاروق إلى المغيرة بن شعبة، العارف بأمانته، وسأله متشككاً: ما قولك فيما قاله هذا الرجل؟ فرد المغيرة بسرعة بديهة: إنه لكاذب، فإني قد سرقت 200 ألف دينار وليس 100 ألف، وهذا السارق لم يأتك إلا بنصف المبلغ بعد أن سَرقَ النصف الآخر، فسأله عمر: وما حملك على تلك الفعلة، قاصداً السرقة؟ فأجاب المغيرة بلا تردد: كثرة عيالي، وقلة ذات اليد، فاحتجت لهذا المبلغ، وها أنا أعترف أمامك بسرقة الـ 200 ألف دينار.
صُعِقَ الرجل الفاسق صاحب النبأ من هول المفاجأة، وقال وقد أُسقط في يده: والله لم يعطني المغيرة لا ديناراً ولا درهماً، فهذا المال جمعه أهل البحرين للكيد به حتى لا تُعيده إليهم، نظر عمر بن الخطاب إلى المغيرة مندهشاً من سرعة بديهته، وسأله: كيف فعلت ذلك، قاصداً كيف تمكنت من ذلك الظالم؟ فقال المغيرة: يا أمير المؤمنين هذا الرجل ظلمني واتهمني بالسرقة زوراً، فأردت أن أخزيه، فأخزاه الله أمامك، وعاد خائباً إلى أهله.
الله تعالى يقول: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»، آية كريمة من آيات الله تكاد تكون وكأن المقصود بها المغيرة بن شعبة.
الرسول صلى الله عليه وسلم قال محذراً من ظلم الناس: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»، وقال: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين»، وقال الله عز وجل في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا».