ما قل ودل: مبادرة بايدن والحرب على غزة
في خضم عودة الوعي إلى شعوب العالم بالقضية الفلسطينية في المظاهرات الصاخبة التي تجتاح الدول الكبرى ومدنها، وغيرها من الدول دفاعا عن الشعب الفلسطيني ضد حرب الإبادة الجماعية التي تشنها عليه إسرائيل في حربها على غزة، وصمود هذا الشعب العظيم تأنتي مبادرة بايدن لوقف الحرب.
وفي هوس الولايات المتحدة الأميركية اللا واعي بترسانتها العسكرية والذي بلغ درجة تجاوز الهوس إلى ما يعرف بجنون العظمة، فهي تستجهل شعوب العالم، بكم من الرماد لا يكفي لذره في عيون كل شعوب العالم، ومستجهل الناس جاهل، فالحقيقة أقوى من الباطل، في ضوء كل ذلك تظهر حقيقة أميركا.
الحقيقة أن أميركا تشارك في هذه الحرب بأحدث قوة تدميرية تزود بها الجيش الإسرائيلي لإفناء الشعب الفلسطيني، وهي تواصل ذلك وفي يدها اليسرى إنجيل المحبة والسلام، ودعواتها إلى ضرورة توفير كل الإمكانات لوصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، الذين تحاربهم إسرائيل بسلاح مضاعف الأثقال على الأطفال والنساء والمسنين، هو سلاح التجويع فتلقي طائراتها المساعدات الإنسانية في بحر غزة، ليلقى الفلسطينيون حتفهم غرقا بدلا من الموت جوعا، تعددت الأسباب والموت واحد، والرئيس الأميركي بايدن المبجل! يعلن في بداية الحرب أنه على ثقة بأن إسرائيل تراعي قوانين الحرب، ووزير خارجيته بلينكن المبجل أيضا يعلن أن الحرب على غزة، إنما هي حرب على «حماس» وحدها، ولكن لها تداعيات على المدنيين، بل نتقبل هذه التداعيات بصدر رحب لأن نبل الهدف من هذه الحرب، هو القضاء على حماس، وهو هدف مشترك يشارك فيه حكام العرب، كما يقول المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون يبرر إبادة الشعب الفلسطيني بأسره، كما فعلوا معا في النصيرات عندما قتلوا 269 فلسطينيا للإفراج عن أربعة رهائن يحملون الجنسية الأميركية والإسرائيلية.
إن «حماس» أصبحت فكرة والفكرة لا تموت أبدا، وإن القضاء على «حماس» معناه إفناء الشعب الفلطسيني كله، وقد آمن بهذه الفكرة، وقد عانى من التنكيل به واضطهاده وهدم بيوته وأسر شبابه وتشريد سكانه، والقتل على الهوية الفلسطينية، ما عاناه طوال 70 عاما ويزيد.
وبايدن يدعو الى وقف الحرب بيده اليمنى، ويستخدم بيده اليسرى حق النقض (الفيتو) ليوقف ويعطل كل قرار يقترح في مجلس الأمن لوقف الحرب، بل يرفض لاستخدام هذا المجلس لسلطته في تنفيذ حكم محكمة العدل الدولية لوقف الحرب على غزة.
ويقر الكونغرس الأميركي قانونا يتيح للحكومة الأميركية فرض عقوبات اقتصادية على المحكمة الجنائية الدولية إذا سولت لها نفسها أن تصدر مذكرة اعتقال في حق نتنياهو وعصابته الإجرامية عن جرائم حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.
وجدير بالذكر أن أميركا وإسرائيل كانتا ضمن الدول التي وافقت على إنشاء هذه المحكمة، وميثاق إنشائها بروما سنة 1998 إلا أنهما انسحبتا من المحكمة قبل اكتمال إنشائها حتى لا يتعرض جنودهما للملاحقة الجنائية لهذه المحكمة.
ويقرر الرئيس الفرنسي ماكرون حل الجمعية الوطنية (البرلمان) بعد الانتفاضة التي قام بها نوابه لمناصرة فلسطين والشعب الفلسطيني، في جلسة علنية شاهدها العالم أجمع على التلفاز، استجابة للمظاهرات التي اندلعت في الشارع الفرنسي على زعم التصدي لليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي.
وكان الرئيس الفرنسي في بداية الحرب على غزة، قد أعطى لإسرائيل في مؤتمر صحافي عالمي تفويضا على بياض، باستمرار هذه الحرب لعشر سنوات.
ويقدم الرئيس الأميركي بايدن تحت ضغط الشارع الأميركي المتمثل في طلاب أكبر جامعات في أميركا والمظاهرات الصاخبة في المدن الأميركية وهو على أعتاب انتخابات رئاسية قريبة، مبادرة بإيقاف الحرب على غزة، مبادرة يلفها الغموض من كل جانب، وتحيطها الشبهات من كل ناحية، تصاحبها مطالبة إسرائيل أميركا بتقديم ضمان أساسي بأن تستأنف إسرائيل الحرب، بعد بضعة أسابيع وبعد أن يكون قد تسلمت أسراها (الرهائن)، لأن الحرب لم تحقق أهدافها في القضاء على «حماس» التي هي الشعب الفلسطيني بأسره، مسرحية محبوكة لإلقاء اللوم على «حماس» بأنها وحدها التي تتحمل تبعات قتل شعبها، وأن إسرائيل بريئة من دم هذا الشعب براءة الذئب من دم ابن يعقوب، و«حماس» والشعب الفلسطيني يخوضان أشرف معركة عرفها التاريخ الإنساني.
ومبادرة بايدن لا تعدو أن تكون تأجيلا للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في الحرب على غزة، حتى تتفرغ لإبادة النازحين الى رفح، ثم تستأنف حرب الإبادة لإراحة بايدن من صداع الشارع الأميركي، وهو يخوض انتخابات الرئاسة الأميركية.