هناك حقائق تُسبب الكوارث، لكنها مهملة أو منسية، وعندما تحدث كارثة يبحثون عن تحميلها لأي مسؤول وينسون الحقائق الأساسية المسببة لها.

الحقيقة الأولى أن المخالفة إذا بدأت صغيرة، بسبب نفوذ أو واسطة أو إهمال، فإنها تكبر وتنتشر، وهذا هو ما حدث بالضبط، فقد ارتُكبت بعض المخالفات في البداية، وتم إهمالها سنوات طويلة، فكثرت وانتشرت في أبنية كثيرة، فاستمرأ البعض تكدّس العزاب وتأجير السراديب والجواخير ومخالفات الجليب ومناطق أخرى، وأصبح علاجها مستعصياً ومكلفاً، وما حدث في المنقف هو غيض من فيض.

Ad

والحقيقة الثانية هي أن المخالفات تكثر وتتراكم، لعدم توفير البديل المشروع، فعندما تفاقمت مشكلة الإسكان مثلاً، ظهرت مشكلة التأجير المخالف في السكن الخاص ومشكلة غلاء الأسعار، وكذلك مشكلة التخزين في السكن الخاص والسراديب التي ظهرت لعدم توفير مناطق تخزينية بأسعار مناسبة.

وعندما كنت رئيساً للجنة الشؤون المالية في مجلس الأمة، تم إقرار بعض التشريعات المهمة التي تعالج مشكلات التخزين ومواقف الشاحنات والغلاء، مثل قانون المستودعات والمنافذ الحدودية الذي أُقر في نوفمبر 2006، لكنّها لم تنفذ حتى اليوم.

والحقيقة الثالثة المعروفة، التي بينها كثير من التقارير الاقتصادية، هي أن عدم الاستقرار السياسي يؤدي إلى تردي الوضع الاقتصادي ويحول دون التنمية، وهو ما حصل في السنوات الماضية من تغيير للحكومات وقِصَر أعمارها مع الحل المتكرر لمجالس الأمة، فتوقفت مشاريع كان قد بدأ بها بعض الوزراء، لتعود إلى المربع الأول مع كل حكومة ومجلس جديد، وقد مررت بهذه التجربة شخصياً عندما بدأت بتنفيذ بعض المشاريع في وزارة التجارة، إلا أنها توقفت بعد تغيير الحكومة، وهذا ينطبق أيضاً على مدينة الحرير ومشاريع أخرى.

ولا شك في أن هناك عوامل أخرى مرتبطة، مثل الفساد والمصالح غير المشروعة واقترانها بالنفوذ، وتدخلات بعض أعضاء مجلس الأمة، وضعف الإرادة الحكومية، وعدم وجود وصف وظيفي لكل مسؤول جديد، والأخطاء في بعض القوانين التي لم تُدرس بشكل اقتصادي سليم.

المهم الآن أن يكون العلاج جذرياً بالقضاء على أسباب المشكلة وجذورها، وليس باتخاذ مَنْ وقعت الكارثة في عهده كبش فداء.

قال بعض السلف: «البدع إذا لم تُنكَر تتحول عند الناس إلى سُنّة».