لم نكن بحاجة إلى حريق مفجع يحصد أرواح العشرات من الأبرياء لنعرف حجم الفساد والتراخي والإهمال المستشري في بلدية الكويت العتيدة، فنظرة سريعة للشوارع والمباني المطلة عليها تشي بواقع العمل بهذه المؤسسة المتغلغلة في كل مناحي حياة من يعيش على هذه الأرض.

كانت ولا تزال - ونأمل ألا تبقى - بلدية الكويت إحدى «باورات» التخلف والجمود والمراوحة التي تعيشها الكويت منذ عقود، ولا أبالغ إن قلت إن فسادها وعدم قدرتها على التطور ومواكبة التغيرات كانا محرّكاً أساسياً للكثير من حالات الصدام السياسي في المراحل السابقة، وهو ما أدى إلى بروز العديد من نواب بمواصفات أقل من مرشح لجمعية تعاونية يطمح إلى إصلاحات من صميم عمل عضو مجلس بلدي، فيترشح ليصبح عضو مجلس تشريعي، لتختلط بعدها اقتراحات مداخل المناطق ورصف الشوارع مع استجوابات رؤساء الوزارات، والأدهى أنه لا أحد يشعر بالذنب، فلا البلدية تدرك أنها أخطأت بشيء، لا سمح الله، والنواب في الجهة الأخرى يعتقدون أنهم يستحقون مناصبهم بجدارة، حتى وصلنا إلى ما آلت إليه الأوضاع اليوم بفضل «تأثير الفراشة» للبلدية الموقرة.

Ad

البلدية اليوم قبل غيرها تستحق أن تصيبها رياح التغيير والانضباط التي تهب على الكويت، وإلا فلن تنجح أي مشاريع وأفكار مستقبلية مادامت مرتبطة بها وستعرقلها آجلاً أو عاجلاً، عمداً أو جهلاً، والنتيجة واحدة، اسألوا أي مراجع أو صاحب مشروع أو عقار أو محل تجاري أو مَن له أي علاقة بهذا الجهاز المترهل ليقص عليكم أغرب القصص وأعجبها، أو اسألوا عن ملفات العقارات والفوضى الأرشيفية وأسباب تأخر إتمام البيوع والصفقات العقارية لأشهر، بينما يُفترَض أن تحويل العقار يكون بسهولة تحويل السيارة، كما هو حاصل في الدول الخليجية الأخرى، ثم إن أغلب البنايات السكنية - إن لم يكن كلها - سراديبها مرخصة كمواقف للسيارات، لكنها مستغلة كمخازن، مما أدى إلى ازدحام تلك المناطق وضيق شوارعها، وعند بيعها تصدر لها شهادات الأوصاف برداً وسلاماً، فالحريق انطلقت شرارته فعلياً من «القبلة»، لكنه اشتعل في «المنقف»، فلا داعي لإشغال لجان التحقيق وإهدار الورق.