نقولها وقلناها في السنوات السابقة بعد إعلان نتائج الثانوية، إنه لا يمكن لأي بلد يدعي أن لديه نظاماً تعليمياً محترماً أن يقبل نسب نجاح شبه وهمية قدرها 100% ليس لطالب واحد بل للمئات في الأربع سنوات الماضية، وخاصة بحقبة «الألف ليلة وليلة» أثناء الوباء وبعدها. إنه رغم تدرج انخفاض نسبة المعدل العام للنجاح من 96.4% عام 2021 ثم إلى حوالي 84% في العام الذي يليه ووصوله بعد عامين، أي هذه السنة، إلى 76.22%، فإن النسب العالية للنجاح ما هي إلا مرآة للتسريبات والغش الممنهج في بعض المدارس التي لديها فصول مخصصة للغش، وعليه لا يمكن أن نطمئن لوقوف نسبة كبيرة من جرائم الغش والتسريب حتى نصل إلى معدل عام للنجاح بنسبة تتراوح بين 50 و60% لتكون مرآة حقيقية للواقع التعليمي الذي نعيشه ممثلاً برداءة التعليم العام وانهيار منظومته، والذي يصب بعد الثانوية في مواسير وقنوات الصرف للهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، التي تزداد سوءاً ورداءة، ليس على مستوى أغلبية مخرجاتها، بل أيضاً على مستوى أغلبية الهيئة التدريسية، والذي صار ينطبق نوعاً ما على الجامعة، وعلى جامعات خاصة لا تخضع لمعايير الرقابة، أي بعبارة أخرى أي انحدار المخرجات الداخلة لسوق العمل.
ومما يزيد الأمر سوءاً في الأسابيع القادمة، وفي كل سنة، خطة «اللاخطة» للبعثات لأنها لا تلبي حاجة سوق العمل، فمازالت اللاخطة توفر بعثات للهندسة لتخصصات يكتظ بها، ليس سوق العمل فحسب، كالكهربائية والمدنية والميكانيكية، بل يكتظ بها سوق البطالة للباحثين عن العمل، فبعض مهندسي وزارة الكهرباء المستجدين يقال لهم بالكويتي «ابصم واطلع»، وما أكثر ما تجدهم يتمشون في المولات التجارية، علماً بإمكانية استيعاب تخصصات الهندسة بفتح شركات البترول بالداخل والخارج للتكويت وفرضهم حتى على المقاولين، كما أن هناك حاجة ماسة للتخصصات الطبية والطبية المساعدة والتمريض الذي استولى على مقاعده غير كويتيين لأخذ الخبرة والعمل بالخارج، رغم تكرار مطالباتنا بتوفير الدعم والكوادر المالية لجذب خريجي الثانوية.
أما أسوأ كلية على الإطلاق من حيث مستوى التعليم والمخرجات فهي كلية التربية الأساسية التي طالبنا بإغلاقها منذ سنوات، وتحويل تخصصاتها إلى أقسام بالجامعة، بحيث يدربون على التدريس بعد البكالوريوس للحصول على «رخصة المعلم» التي تم تجاهل مطالبتنا بتطبيقها حتى جاء الوزير الحالي ليصدم الجميع بتأجيلها سنوات، ليخلي مسؤوليته ويتدهور التعليم المدرسي لأعوام إضافية قادمة، وقد صدر تقرير رائع بالجريدة في مارس الماضي لا يدق ناقوس الخطر فحسب بل قنبلة الخطر لوجود 22931 معلماً فائضاً في تخصصات الإسلامية، والعربي، والاجتماعيات، والبدنية، والعلوم، ورياض الأطفال، وتباين التكدس والعجز الذي يرجع للواسطات.
لقد صدر بيان تظلم تحت اسم «طلبة نظام الثانوي والحكومي العام»، لا يعرف من كتبه ولا عدد الموقعين، ينتقد بشكل عام استحواذ التعليم الخاص على البعثات والخطأ باحتساب نسب نجاحهم، ويطالبون بتوحيد اختبارات الإسلامية والعربية، كون الخاص لا يعتد بهما، ويطالبون بتعويض طلبة التعليم الحكومي بمقاعد للبعثات، إلا أن ما لفت انتباهنا في مطالبهم ما لا يمكن إعادة قبوله على الإطلاق، وهو فتح الإيفاد المباشر والدراسة على الحساب الخاص لجامعات الأردن ومصر، والذي حاربناه بشدة لوقفه بسبب رداءة التعليم، وإلغاء الاختبار الوطني وهو الحاجز وعنق الزجاجة الوحيد الذي يجب أن نتمسك به لغربلة المخرجات الصادرة من نظام تعليم بهذا السوء المفعم بالغش، بل طالبنا بإضافة التوفل والآيلز جنباً إلى هذا الاختبار، حتى إن تم تعديله أو تطويره لشكل أفضل، لكن يبقى صمام الأمان الأخير «الاختبار الوطني».
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.