في ظلال الدستور: غرفة التجارة بين تغيير الثوابت وتثبيت المتغيرات في اقتراح بقانون!
عطفاً على مقالي المنشور على هذه الصفحة بتاريخ 6/ 11/ 2022م تحت عنوان «إشراف الوزير على غرفة تجارة وصناعة الكويت ومفهوم الحكم الديموقراطي» بالنسبة إلى اقتراح بقانون قُدم من بعض أعضاء مجلس الأمة، وأحيل يوم الثلاثاء الماضي إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية التي أرجو أن يحالفها التوفيق في الكشف عن مثالب هذا الاقتراح الدستورية، قبل أن يفاجئها العمل بالقانون الذي أقره المجلس منذ أسبوعين بتعديل أحكام اللائحة الداخلية للمجلس والذي سلبها هذا الاختصاص.
فالكويت كغيرها من المجتمعات العربية، حائرة في عالم محير، بين التقدم إلى الأمام مثل سائر الدول المتقدمة التي تحافظ على مكتسباتها الديموقراطية، ومنظمات مجتمعها المدني وبين التقدم إلى الخلف! فحركة المجتمع نحو مزيد من الديموقرطية والسيادة الشعبية والإصلاح الاقتصادي، والانتقال من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد الشعب، يقابلها حركة مضادة لها بالانقضاض على أقدم وأعرق منظمة من منظمات المجتمع المدني، وهي غرفة التجارة والصناعة التي تقوم بدور شعبي في هذا الإصلاح، فنقع في تناقض هو تغيير الثوابت، وتثبيت المتغيرات، فمن الذي يدفع الثمن؟
الانتقال إلى التأميم والخصخصة
لقد كانت غرف التجارة والصناعة في العالم كله، ومنها غرفة تجارة وصناعة الكويت الداعمة للخصخصة ببعديها الاقتصادي والاجتماعي، بحكم تكوينها من كل أرباب التجارة والصناعة، ينتخبون فيما بينهم منظمة ديموقراطية مهنية، تنوب عنهم وتتحمل مسؤولية جميع الأمور المتعلقة بالشؤون الاقتصادية، في تنشيط التجارة والصناعة وحمايتها وتوجيهها، وهو ما أصبح يطلق عليه التنمية المستدامة.
هكذا كانت نشأة غرفة تجارة وصناعة الكويت وتكوينها وفقا لقانونها الصادر سنة 1959، كأحد أعرق هذه الغرف في الوطن العربي، ولعلها مع جمعية الأطباء ونادي حباري باكورة منظمات المجتمع المدني التي نشأت في الكويت، فالغرفة جزء لا يتجزأ من تاريخ الكويت والبنية الأولى والأساسية، التي قام على أعمدتها الحكم الديموقراطي في الكويت والذي نصت عليه المادة السادسة من دستورها.
كما كان للغرفة دورها الوطني الذي لا ينكر في تأميم شركة النفط، من أجل استعادة الشعب لثروته الطبيعية، وسيادته عليها، باعتبارها المصدر الرئيسي للدخل القومي، الذي حقق للكويت كل هذا التقدم في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
ونعود إلى الخصخصة التي كانت أحد أهداف الغرفة، لنقل الكويت من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد الشعب، حيث يشارك المواطنون جميعا في امتلاك اقتصاد بلدهم، عبر الشركات المساهمة وغيرها من هياكل اقتصادية، والتي يستطيع كل مواطن أن يشارك فيها وبها في تحقيق التنمية المستدامة، ومزيد من الرفاهية والمكانة الدولية، وهو الأمر الذي كان خلف قرار وزير التجارة والصناعة، عبدالله الطويل، الذي أصدره إبان حمله الحقيبة الوزارية، والذي اشترط في الاكتتاب في شركات المساهمة، أن يحضر المواطن شخصيا، أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة، لتحقيق البعد الاجتماعي في الاكتتاب والحد من الاستحواذ على الأسهم في أيد قليلة من المساهمين.
تأميم الغرفة
فمن الذي يدفع الثمن في هذا الاقتراح الجديد، الذي يطابق اقتراحاً آخر كان قد قُدم في الفصل التشريعي الثالث عشر، كان محل تعليقنا في مقالين نشرا على هذه الصفحة في عددي الجريدة يوم 28 و30 نوفمبر من عام 2010 تحت عنوان واحد «مشروع قانون تأميم الغرفة... مخالفات دستورية».
وإذا كان التأميم قد ظهر في دول العالم الثالث، مطلبا وطنيا لاستعادة شعوبها لثرواتها الطبيعية، فإن الخصخصة قد أصبحت مطلبا شعبيا لاستعادة الشعوب سيطرتها على مقدراتها واقتصادها من سيطرة الدولة، لتكون إدارة هذا الاقتصاد وتنميته وتطويره، نابعة من إرادة الشعب، عبر المؤسسات الاقتصادية التي يكونها من خلال مؤسساته الاقتصادية، ومنع الاحتكار، باعتباره منهياً عنه دستوريا وفقا للمادة (153) من الدستور، وفقا لروح الدستور التي عبرت عنها المادة (20) من الدستور فيما نصت عليه من أن «الاقتصاد الوطني قوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، لتحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين».
وقد تراجع التأميم في دول العالم الثالث، بسبب المشكلات والتعقيدات التي واجهت الدولة في إدارة المشروعات المؤممة، على الصعيدين الوطني والدولي، نتيجة سوء إدارة الدولة للمشروعات المؤممة، وعدم توفير التأميم لفرص النجاح لهذه المشروعات، والصراع الطبقي الذي زرعه التأميم بين فئات الشعب المتضررة من التأميم والفئات الأخرى التي توهمت أن التأميم سيعود عليها بخير وفير، فكانت خسائر هذه المشروعات وبالاً على الفريقين، لسوء إدارتها، وما واجهته من مركزية في التنفيذ، وقلة الخبرة فضلا عن الروتين الحكومي.
وكنت قد اقترحت في المقالين سالفي الذكر أن يطلق على الاقتراح بقانون المماثل، أن يغير مسماه إلى قانون تأميم غرفة تجارة وصناعة الكويت لأنه جدير بهذه التسمية.
ومن بين ما جاء في هذين المقالين من حقائق ومعطيات ما يلي:
• «إن اقتصاد الكويت اقتصاد حر، وإن حرية العمل وحرية النشاط التجاري والاستثماري والمهني هما من السمات الأساسة في المجتمع الكويتي، وإنه في دول الاقتصاد الحر، تكفل الدساتير للأفراد إنشاء مؤسساتهم الخاصة وجمعياتهم المهنية ومنظمات المجتمع المدني وفقا للقانون»، وذلك وفقا لنصوص الدستور في المواد (16) و(20) و(41).
• «إن قانون الغرفة سنة 1959، لم ينشئ الغرفة، بل نص في مادته الأولى على أن يكون إنشاؤها بناء على طلب ما لا يقل عن ثلاثين عضوا من أرباب التجارة والصناعة.
كما نص في المادة (14) على أن تقوم الغرفة بوضع نظام داخلي لها، يحدد فئات المنتسبين لها والشروط المطلوبة منهم، ونظام الانتخاب والقواعد التي تتبع في إدارتها لإيراداتها ورسومها وكيفية جبايتها والتصرف فيها... إلخ، على عكس الاقتراح بقانون- محل التعليق- الذي أنشأ الغرفة بإرادة المشرع، بالمخالفة لنص المادة (43) من الدستور التي قررت حرية تكوين الجمعيات التعاونية والنقابات، كما عهد الى وزير التجارة والصناعة بالاشراف عليها.
فأغلق الاقتراح الباب أمام الجمعية العامة للغرفة ومجلس إدارتها في وضع أي شاردة أو واردة في إدارة أعمال الغرفة وأنشطتها المختلفة عندما نص في المادة (60) على أن يصدر وزير التجارة والصناعة اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
لذلك كان الاقتراح بقانون طائراً خارجاً عن سرب منظمات المجتمع المدني الدستوري بما ينطوي على مخالفة صريحة لنص المادة 43 من الدستور الذي يكفل حرية تكوين الجمعيات والنقابات وعلى دور المشرع في التدخل في تنظيم الأنشطة الخاصة والذي يجد حدوده في مبادئ الاقتصاد الحر المنصوص عليها في المواد (16) و(20) و(41) من الدستور.
• فضلاً عن تجاوز الاقتراح بقانون لاختصاص الوزراء في الإشراف على شؤون وزاراتهم بموجب المادوة (130) كان ذلك مقصودا هو أن تتحول غرفة التجارة والصناعة إلى إدارة من إدارات وزارة التجارة والصناعة، ومع تناقض هذا الإشراف والحظر المفروض على الوزراء في المادة (131) لأن الوزير بهذا الإشراف على الغرفة يمارس عملاً تجارياً وصناعياً ومالياً بالمخالفة لهذا الحظر.
بل يقع الإشراف على الغرفة التي وصفها الاقتراح بأنها مؤسسة خاصة مخالفا روح الدستور الذي كفل للمؤسسات العامة استقلالها وألزم المشرع بكفالته في ظل توجيه الدولة ورقابتها واللذين لا يصلان أو يرقيان إلى حد الإشراف على المؤسسات العامة، والذي يقتصر على رئاسة مجالس إداراتها والتوصية والرقابة اللذين وضع القانون رقم 116 لسنة 1992 حدوداً بتدخل الوزير بموجبهما لتصبح المؤسسات الخاصة، أقل استقلالاً من المؤسسات العامة بل تبعية إدارية بما يتناقض والمفهوم الديموقراطي لمنظمات المجتمع المدني الذي يجب أن تهب السلطة التشريعية المنتخبة للدفاع عنه.