لا يفارقني الشعار الذي رفعته والتزمت به الجمعية الأردنية «العربية لحماية الطبيعة» وهو «تقطعون شجرة نزرع عشراً» بقيادة حسن جعجع ورزان زعيتر والمقيمين في الأردن الذين بادروا منذ الشهر الأول لطوفان الأقصى بالنزول إلى الميدان وكانوا متأهبين ومستعدين مع فرق تطوعية لمساعدة أهالي غزة بالصمود في أرضهم من خلال زرع ما اقتلعته جرافات وطيران الكيان المحتل.

ثمة حاجة إلى القول، وفي إطار الصراع بين أصحاب الأرض ومن جاءها مستوطناً ومحتلاً، لماذا يكرهون شجرة الزيتون؟ وهو سؤال أثاره صديق في أحد اللقاءات التي تجمعنا؟

Ad

في المعتقد اليهودي هناك ربط بين «الشجرة» التي زرعها الله والأرض التي يقيمون فيها، وهناك ثقافة عامة لدى اليهود بتشجيع زراعة شجرة الصنوبر والسرو والاهتمام بالتشجير والغابات والأشجار الحرجية.

هذه السردية عززتها الحركة الصهيونية عندما شرعت في بناء المستوطنات، ووظفت الدين لخدمة أغراضهم الاستيطانية في البقاء، فالتوراة تقول لهم هذه الأرض لكم يا بنى إسرائيل؟ لكن شجرة الزيتون بقيت خارج هذه الحسبة، وإن حاولوا «تهويدها» وإضافة أصناف جديدة لزراعتها، لكنها بقيت عصية عليهم.

ومنذ بناء أول مستوطنة يهودية في الأرض الفلسطينية كانت شجرة الزيتون رمزاً للهوية الفلسطينية والصراع على الأرض، وراحت إسرائيل تنظر إلى الزيتون كعدو لا يقل خطراً عن المقاومة المسلحة والمواجهات العسكرية.

سر عداء الإسرائيليين لشجرة الزيتون أنها أكبر دليل زراعي على أن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض ومعمرون فيها تماماً كشجرة الزيتون، وصارت رمزاً للصراع بين المحتل الإسرائيلي وصاحب الأرض، فالفلسطيني ينظر إليها، بخلاف أنها مقدسة، أنها رمز للحياة والأمل والبقاء، أما عند الإسرائيلي فهي «هدف مشروع» للقتل والاقتلاع.

والاحتلال لم يتوقف أو يهادن هذه الشجرة، وهو يعمل يومياً على قطع أشجار الزيتون بالمناشير وخلعها من جذورها كي لا تعود لتنبت من جديد، فأخذت هوية ابن الأرض الفلسطيني وتحولت إلى غنيمة عند قطعان المستوطنين الذين يزحفون نحوها لاقتلاعها أو حرقها، وكم صورة بليغة وصلت إلينا تظهر عجوزا فلسطينية أو فلاحا فلسطينيا ابن الأرض وهم يتشبثون بها قبل أن تتحرك الجرافات نحوها واقتلاعها.

لذلك كان الاحتلال في حالة دائمة ومستمرة مع شجرة الزيتيون، وهدفاً مشروعاً لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، فملايين الأشجار تم قطعها منذ عام 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وقبلها في منطقة الجليل، وبالرغم من هذه الحرب الضروس بقيت صامدة، مقاومة، عنيدة، فهي الأقدم في فلسطين وفي احتضانها لملايين الفلسطينيين، ولذلك ليس عجباً أن يكرهها اليهود والإسرائيليون.

أجمل ما في حكاية الزيتون تلك الأغنية الشعبية:

«على دلعونا وعلى دلعونا

بارك يا ربي شجر الزيتونا».