يشهد قطاع المعادن الثمينة فترة طويلة من الاستقرار، والتي تمنح المتداولين والمستثمرين الوقت لالتقاط الأنفاس والتكيّف مع المستويات المرتفعة الجديدة، فبعد الارتفاع الكبير الذي شهدته الأسعار في وقت سابق من هذا العام، بعد محاولتين فاشلتين لتأسيس دعم فوق 2400 دولار، كانت معظم عمليات تداول الذهب اليومية، منذ أوائل أبريل، تتراوح ضمن نطاق 2280 إلى 2380 دولاراً. وقد شكل توقّف بنك الشعب الصيني عن شراء الذهب في مايو، وذلك بعد 18 شهراً من الشراء المتواصل، الانتكاسة الأكبر.
وحسب «ساكسو بنك»، لم تتوقف الصين، وهي أحد العوامل الرئيسية لارتفاع الذهب منذ عام 2022، عن شراء الذهب بشكل نهائي، حيث نرى أن هذا التوقف المؤقت جاء نتيجة تردد البنك بشأن الشراء في ظل أسعار الذهب القياسية الحالية. كما أن الاهتمام المتزايد بشراء الذهب من قبل المستثمرين الأفراد في الصين، وهو أحد العناصر الرئيسية لطلب الذهب المادي، قد جلب هذا النشاط إلى دائرة الضوء بشكل غير مسبوق بحسب رئيس استراتيجيات السلع في ساكسو بنك أولي هانسن. ونظراً لهذا التطور، قد يؤدي التباطؤ الأخير في مشتريات البنك المركزي الصيني إلى إطالة فترة استقرار أسعار الذهب. ومع ذلك، ما تزال النظرة المستقبلية لأسعار الذهب إيجابية على المدى الطويل.
ونحافظ على توقعاتنا إيجابية بما يتعلق بالاستثمار في المعادن، مع التركيز المستمر على العوامل الرئيسية التالية:
- لا تزال المخاطر والأحداث الجيوسياسية سمة رئيسية، على الرغم من أن التأثير الداعم للأسعار حتى الآن كان في الغالب قصير الأجل.
- الطلب الكبير من المشترين الأفراد في الصين في ظل الرغبة باستثمار الأموال في قطاع يُنظر إليه على أنه محصّن نسبياً في ظل اقتصاد يعاني وأزمة في سوق العقارات.
- استمرار الطلب من البنوك المركزية وسط حالة عدم اليقين الجيوسياسي والسعي للتخلص من هيمنة الدولار، إضافة إلى قدرة الذهب على توفير الأمن والاستقرار الذي قد لا توفره الأصول الأخرى، مما يؤكد وجهة نظرنا بأن توقف الصين عن الشراء إجراء مؤقت.
- يؤدي ارتفاع معدلات الدين بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الكبرى، وخاصة في الولايات المتحدة، إلى تغذية المخاوف بشأن جودة الدين. بعبارة أخرى، لا يؤدي ارتفاع عوائد الخزانة بالضرورة إلى نتائج سلبية بالنسبة للذهب، حيث إنها تزيد من التركيز على مستويات الديون الإجمالية واستدامتها.
- يتحول التركيز من التأثير السلبي لتراجع توقعات خفض أسعار الفائدة إلى التأثير الإيجابي لتوقعات استمرار معدلات التضخم المرتفعة.
وقد حافظ الذهب على ثباته خلال مرحلة الاستقرار الأخيرة، متجاوزاً المستويات الفنية الحرجة البالغة 2280 دولار للأونصة، حيث كان من الممكن أن يؤدي تجاوز هذا المستوى إلى تصفية مراكز الشراء طويلة الأجل من قبل صناديق الاستثمار المُدارة التي تحتفظ حالياً بمراكز شراء كبيرة في سوق العقود الآجلة، والتي تم الدخول فيها بأسعار أقل، تصل إلى ما دون 2200 دولار للأونصة.
ويُعزى جزء كبير من ارتفاع أسعار الذهب الذي شهدناه في فبراير ومارس إلى الطلب القوي من صناديق الاستثمار المُدارة، مثل صناديق التحوط، وذلك إلى جانب استمرار الطلب الكبير من البنوك المركزية والأفراد في الصين. ولم يضطر هؤلاء المتعاملين، نظراً لدخولهم المبكر في موجة الارتفاع، إلى تعديل مراكزهم، حيث حافظت مرحلة التصحيح الحالية على الأسعار فوق المستويات التي كانت ستجبرهم على خفض تعرّضهم للذهب.
يفسر الدخول المبكر بأسعار منخفضة عدم تعرّض أسعار الذهب لتقلبات كبيرة مقارنة بالمعادن الأخرى، مثل الفضة والبلاتين والنحاس، حيث انضم المضاربون إلى سوق هذه المعادن في وقت لاحق وبأسعار أعلى، مما جعلهم أكثر عرضة لتصفية صفقات الشراء طويلة الأجل، وبالتالي خطر تصحيح أعمق.
ولا يزال الطلب من قبل صناديق الاستثمار على الذهب والفضة محدوداً، حيث حافظوا على مراكز بيع صافية إلى حد كبير منذ عام 2022، عندما شرعت اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة في حملة رفع أسعار الفائدة الشرسة. وأدى ذلك إلى ارتفاع تكلفة حمل هذه الاستثمارات التي لا توزع عوائد نقدية. ومن المرجح أن يظل الطلب من صناديق الاستثمار المتداولة ضعيفاً حتى يتم خفض أسعار الفائدة وتقليل هذه التكلفة.
يشهد ارتفاع الفضة بنسبة 25 بالمئة الشهر الماضي تراجعاً، مما يعكس مجددا ارتباط تحركات الفضة بالذهب ولكن بوتيرة أسرع. وعلى الرغم من ارتفاعه بأكثر من 22 بالمئة منذ بداية العام، واستفاد المعدن شبه الصناعي من الارتفاع الكبير الذي شهده قطاع المعادن الصناعية، ولا سيما النحاس الذي يشاركه في بعض صفات التحول البيئي. ومع ذلك، تعثّر ارتفاع النحاس فور إدراك السوق أن المؤشرات الأساسية الحالية، خاصة في الصين، تشير إلى ضعف الاقتصاد، بحسب هانسن. وأدى التصحيح اللاحق إلى خسائر تبلغ حوالي 3 بالمئة للفضة والنحاس هذا الشهر.