هل توفي العملاق المناضل نوام تشومسكي أم كانت مجرد إشاعة تناقلناها في «إكس»؟ لا نعلم حقيقة الخبر، المؤكد أن هذا المناضل لم يعد يظهر في اللقاءات الجدلية باليوتيوب، يناقش بعمق وهدوء العلماء، من عدة شهور، وبالتحديد بعد السابع من أكتوبر الماضي.

مجلة «جاكوبان» خصصت مقالاً مطولاً عن المشوار النضالي لتشومسكي، عالم اللغويات وفاضح السياسة الأميركية الخارجية، في كل مكان بالعالم، وكان نصيب إسرائيل كمخلب قط للنظام الاستعماري العالمي الذي خلقها من عام 48، وتكفل رعايتها وتدميرها للمنطقة من ذلك التاريخ - وقبله من مؤتمر فرساي وتقسيم تركة الدولة العثمانية بعد الحرب الأولى - لكن تشومسكي اليهودي الذي اتهمته أجهزة الدعاية «البروباغندا» الصهيونية بالخائن لوطنه، الكاره ليهوديته، وأطلق هذا الحكم الدعائي ضد كل المفكرين العضويين اليهود الذين وقفوا ضد النظام الصهيوني، مثل البروفيسور آلان ببيه، وغيرهما كثيرون، فكيل الشتائم لكل اليهود دون التفريق بين الصهيونية كحركة استعمارية استيطانية، واليهودية كمعتقد ديني، هو سذاجة سياسية لأهل الجهل تخدم الإعلام الصهيوني في النهاية، فبمثل هؤلاء الأصدقاء لستم بحاجة إلى إعداء.

Ad

«صناعة القبول» أو «الرضا» هو أحد كتب تشومسكي الرائعة في فضح البروباغندا الإمبريالية، تلك التي تعد من أهم وسائل الهيمنة على العالم لمصلحة الدولة الأميركية، تلك الدولة القوية التي أضحت ملكية خاصة للشركات الكبرى من منتصف سبعينيات القرن الماضي، ثم تبنى في الثمانينيات نهج «نيوليبرال» لهايك وملتون فريدمان من قبل الولايات المتحدة في عهد ريغان وبريطانيا في عهد تاتشر، وكان الشعار الذي وضعه تشومسكي تحت مجهره «كل ما هو لصالح جنرال موتورز هو لصالح الولايات المتحدة، وكل ما هو لصالح الولايات المتحدة هو لصالح العالم».

وجه تشومسكي نقده المر للنخب المتعالية من جماعات المثقفين الذين تعالوا عن معاناة البشر العاملين، فالجالسون في جامعات مثل «إم أي تي» أو «هارفارد»، ويقرأون «نيويورك تايمز» لهم ميزة الاختيار السهل في شؤون الحياة، بسبب الحياة المادية السهلة التي لا يملك مثلها العاملون من أجل لقمة العيش، فهم يعملون لأكثر من خمسين ساعة أسبوعياً، وبالتالي لا يملكون رفاهية اختيار نوعية الحياة مثل غيرهم.

هؤلاء أبناء الرفاهية تسيطر عليهم روح الشوفينية والأنانية، فلا اكتراث لمعاناة الغير، أليس عندنا بالكويت من هم على شاكلتهم البائسة من دعاة نفي البدون بمجملهم وحرمان أبناء المتجنسين من حقوقهم السياسية، وغيرهم من النازيين الجدد دعاة كراهية العمال الأجانب، وعزلهم عن الحياة الاجتماعية الإنسانية.

الكثير من الروح الخلاقة يمكن أن نتعلمها من مدرسة الفوضوية الإنسانية كما يدعو لها تشومسكي، فالسلطة هي رمز القمع والقهر أياً كانت أشكالها، سواء كانت في الاتحاد السوفياتي السابق أو في الولايات المتحدة... تشومسكي مثله مثل رفيقه إدوارد سعيد يمثلان المثقف العضوي المهموم بقضايا المجتمع والإنسانية، لا يمكن أن تطويهما صفحات النسيان مهما امتد بنا الزمن.