الإرادة الكويتية... والاستقلال الحقيقي

نشر في 20-06-2024
آخر تحديث 19-06-2024 | 20:13
 د. محمد المقاطع

أمس كان الـ 19 من يونيو، وهو يوم عزيز ومهم للكويت، لأنه يوم امتلاك الإرادة الحقيقية للوطن بحصوله على استقلاله وإرادته الوطنية السيادية الكاملة من الحماية الإنكليزية، والتي تمت عبر اتفاقية 1899.

وفي مثل هذا اليوم من عام 1961 وقّع الأمير الراحل عبدالله السالم اتفاقية إنهاء الحماية البريطانية واستقلال الكويت، وهو يوم وتاريخ رمزي لوطن واجه الأطماع الاستعمارية منذ نشأته عام 1756م.

وتمكنت الكويت من الحفاظ على توازن ذكي في علاقتها مع الدولة العثمانية منذ ذلك التاريخ، ليكون هناك ارتباط إداري بها بقبول أنها ضمن إطار الدولة العثمانية دون أن تكون تحت سيطرتها المباشرة.

وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت تتدافع الدول الغربية إلى اقتسام الدول العربية، وكان هناك تسابق محموم بين روسيا وألمانيا للحظوة بالكويت بسبب موقعها الاستراتيجي وللوصول إلى المياه الدافئة، وكان مخطط الألمان مد السكك الحديدية من برلين إلى بغداد لتصل إلى الكويت، فما كان من سياسة التوازن التي انتهجتها الكويت إلا الارتباط مع بريطانيا باتفاقيتين للحماية، الأولى في مطلع القرن التاسع عشر وكانت شكلية، ثم اتفاقية 1899 التي أحدثت نقلة استقرار للكويت لتقوم ببناء إطار أفضل لتطورها وتنميتها حتى أواخر الأربعينيات.

ومنذ أن تولى الشيخ عبدالله السالم مقاليد الحكم عمل على بناء الكويت الحديثة، فشهد عهده تكريس الإرادة الوطنية بتنظيم مؤسسات للحكم، والإدارة والأجهزة الحكومية الحديثة في مقدمتها سلطة تنفيذية، وأجهزة إدارية معاونة، وسلطة قضائية، واكبتها حركة تشريعية متكاملة وضعت كل التشريعات الحديثة للكويت في الأعوام 1954 - 1961، ثم تُوجت بدستور 11/ 11/ 1962، بعد إنهاء اتفاقية الحماية واكتمال الإرادة السيادية للدولة المستقلة.

وقد فتح استقلالها شهية دول مجاورة، خصوصاً العراق، لكن تم وأد تلك الأطماع في مهدها من خلال حكمة الأمير آنذاك وتفعيل الحماية البريطانية.

يقول الكاتب هدسون عام 1978: الكويت بلد عجيب، فهو رغم صغره ووقوعه في مثلث لتجاذبات دول كبيرة نجح في توازن علاقاته وحفظ كيانه واستقلاله، ومنذ ذلك التاريخ عُرفت الكويت ببلد قلب الحريات والملاذ للعرب والعروبة ممن يرغب في حياة كريمة وحرية معتبرة، وكانت الكويت العربية الإسلامية في أنفاسها القومية، والمتميزة في هويتها الوطنية وأصالتها.

وعاشت الكويت زخم وقوة تأسيس الدولة وباستمرار بنائها حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، ثم بدأ نجمها في الأفول والتراجع، وكثرت محاولات اختراقها وغلّ إرادتها من دول عديدة مجاورة مع نهاية الستينيات، فشجعت رعاياها للهجرة إليها واستيطانها أملاً في عيش كريم والتأثير في قرارها وتغيير مسارها، وقد باغتت الكويت يد الغدر بغزو بعثي مجرم، تخطته بحكمة قيادتها وتضامن فريد غير مسبوق لأهلها والتفافهم حول قيادتهم، لكن كان التشويه في تركيبتها السكانية يتفاقم يوماً تلو الآخر، وأبرز مظاهره التجنيس العشوائي والتزوير في الجنسية، وظهور الكثير ممن ينتسب فيها إلى غير أهله متدثراً بجنسيتها، وانعكس ذلك على مؤسساتها السياسية تنفيذية وتشريعية، وتغلغل في مؤسساتها وأجهزتها التنفيذية، مما جعل الوضع يزداد خطورة ويحتاج لقرارات مصيرية استثنائية للخروج من ذلك واستعادة الوطن لإرادته الحقيقية.

وقد حبا الله الكويت بقيادة سياسية وضعت ذلك نصب عينيها منذ سبتمبر وأكتوبر 2020.

واتضحت معالم العهد الجديد بخطابات سمو ولي العهد (وقتئذ) الشيخ مشعل الأحمد، حفظه الله، نيابة عن الأمير، وأخصها خطاب 22 يونيو 2022، الذي أعلن فيه جملة من الإصلاحات السياسية والهيكلية المؤسسة، وعهدَ تصحيح المسار، وتلته خطابات متممة له.

ومنذ تولي سموه للحكم سار بعهد تجديد الدولة وتقويم مسارها بما يمكن اعتباره مرحلة التأسيس الثانية، ففتح أكثر الملفات حساسية وأهمية لإعادة الاعتبار للدولة دستورياً ومؤسسياً، بل وعلى رأس ذلك الحفاظ على هويتها الوطنية (الجنسية)، بتنقيتها من شوائب التدثر بجنسيتها والتسلل إليها وبتزويرها وازدواجها والانتساب لأهلها بوجه مجافٍ للحقيقة، وبدأت عجلة تلك الإصلاحات المحورية تدور حفاظاً على الهوية والإرادة الوطنية بإصرار وقوة ونهج فريد، وتوّج ذلك بأن أرسى بحكمته استقراراً للدولة ومنعة لها من الصراع والشحناء بأمر سموه الحكيم، وخارج كل الحسابات، سوى المصلحة العليا للوطن بتزكيته وتعيينه الشيخ صباح الخالد ولياً للعهد، والذي انعكس بأجواء فرح وترحيب وارتياح من أهل الكويت وبتجديد البيعة التي يدينون بها له وأسرة الحكم، وهذا هو مسلك أهل الكويت الحقيقيين.

اللهم احفظ أميرنا وولي عهده، وخذ بأيديهما لمصلحة الكويت وأهلها واستمرار عزتها وحفاظها على هويتها وإرادتها، لتعود درّة للخليج وقبلة للعروبة.

back to top