مع دخول وزارات الدولة حالة طوارئ واستنفار لمساعدة وزارة الكهرباء على تخطي الأزمة الحالية، وتلافي انقطاع التيار خلال ذروة الصيف، تراجع الضغط على الأحمال الكهربائية قليلاً، ما نجم عنه قطع مبرمج محدود عن عدة مناطق زراعية وصناعية، فضلاً عن عطل مفاجئ قطَع التيار عن بعض قطع منطقة سلوى.

غير أن ما يلفت النظر هو أن كل تلك التحركات لا تأتي، كالعادة، إلا ردة فعل عشوائية دون تخطيط مسبق أو برنامج حكومي متكامل، وبعد وقوع الفأس في الرأس، لنغدو أمام أزمة مرشحة للتزايد، ما لم يتم تداركها بقرارات حاسمة.

Ad

وقالت مصادر مطلعة لـ «الجريدة» إن الوزارة تراجعت عن القطع المبرمج التي كانت أعلنته في 62 منطقة سكنية بالمحافظات الست، موضحة أن القطع شمل المناطق الصناعية؛ ميناء عبدالله، والري، والصليبية ساعتين من الواحدة ظهراً، كما شمل مزارع الوفرة والعبدلي، من الساعة 12 ظهراً.

وإلى جانب القطع المبرمج، أعلنت الوزارة انقطاع التيار عن أجزاء من منطقة سلوى جراء خروج مغذيَّين فرعيَّين من محطة التحويل الرئيسية C عن الخدمة، مبينة أن خروجهما تسبب في انقطاع التيار عن أجزاء محدودة من قطعة 12 بسلوى، وعليه تواجدت فرق الطوارئ في الموقع لإعادة التيار بأسرع وقت.

أما عن جذور الأزمة، فأشار إليها ديوان المحاسبة في تقريره لسنة 2022/2023، لافتاً إلى تأخر معظم مشاريع تلبية الطلب على الكهرباء حتى عام 2035، ولاسيما محطات القوى، فضلاً عن تعثر صيانة أضخم المحطات والشبكات، مما يترتب عليه عجز الوزارة عن تلبية الطلب على الكهرباء ابتداء من 2023.

وتوقع الديوان، في تقريره، أن تواجه «الكهرباء» عجزاً في الكهرباء خلال مواسم الصيف للسنوات من 2023 إلى 2025، نتيجة تأخر حزمة مشاريع حرمت البلاد من دخول 12750 ميغاواط إلى الشبكة.

وفي تفاصيل الخبر:

لليوم الثاني على التوالي سيطر شبح القطع المبرمج للتيار الكهربائي على البلاد، إذ أعلنت وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، صباح أمس، أن 62 منطقة قد يشملها الانقطاع خلال فترة الذروة في حال استدعت الحاجة، إلا أنها لم تعلن القطع إلا عن 5 مناطق فقط هي مزارع الوفرة والعبدلي، وميناء عبدالله، والري، والصليبية، في المناطق الزراعية والصناعية، وذلك مدة ساعتين.

وفي حين انخفضت الأحمال الكهربائية، أمس، إلى 16.430 ميغاواط، بواقع 370 ميغاواط بالمقارنة مع أمس الأول التي بلغت 16.800 ميغاواط، لم تدخل المناطق السكنية إلى قائمة الانقطاع، وهو ما يشير إلى أن انخفاض الأحمال ساهم في عدم التوسع في قطع التيار.

وتفادياً لمشاكل انقطاع التيار التي خلفتها موجة أمس الأول في أكثر من 40 منطقة، قالت «الكهرباء» إنه سيتم إعلان توقيت القطع المبرمج لكل منطقة قبل موعد الفصل بساعة عبر حسابات الوزارة الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي لاتخاذ أصحاب هذه المناطق الإجراءات اللازمة حفاظا على سلامتهم.

من جهتها، أكدت مصادر في «الكهرباء» لـ «الجريدة»، أن أزمة نقص الطاقة تحتاج إلى قرار سياسي حكومي بدعم محطات إنتاج الطاقة بوحدات إنتاج جديدة، وإنشاء محطات أخرى لسد الفجوة الحاصلة بين الاستهلاك والمتوافر من الطاقة.

وأشارت المصادر إلى أن أزمة الكهرباء مستمرة خلال السنوات المقبلة، وستتفاقم العام المقبل (2025) مع ارتفاع درجات الحرارة، ونقص الإنتاج في ظل التوسع في مشاريع الدولة والتوسع في التمديدات الكهربائية خلال السنوات الماضية.

ولفتت إلى أن إنشاء المحطات الجديدة أو دعم المحطات القائمة في البلاد بمحولات يتطلب دورة مستندية طويلة مما يضع الكويت في مأزق حقيقي لا يمكن تداركه مع مرور الوقت في ظل ارتفاع الأحمال وضعف الإنتاج.

ملاحظات «المحاسبة»

وكان ديوان المحاسبة سبق أن وجّه لوزارة الكهرباء والماء العديد من الملاحظات حول المآخذ التي شابت خطة الوزارة لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية من الطاقة الكهربائية، مما يترتب عليه زيادة بالإنفاق الجاري لميزانية 2023/ 2024 بما جملته 30 مليون دينار، بالمخالفة لتوجيهات الإصلاح الهيكلية للميزانية.

وقال الديوان إن «الكهرباء» ستواجه عجزاً متوقعاً في التيار خلال مواسم صيف سنوات (2023,2024,2025)، وهو ما أشار إليه الديوان في ملاحظاته عن سنوات مالية سابقة كان آخرها تقريره الأخير العام الماضي، حيث لفت إلى تأخر معظم مشاريع الخطة التنفيذية لتلبية الطلب على الكهرباء والماء حتى 2035.

وكشف عن تأخر جميع مشاريع محطات القوى الكهربائية والتي تمثل خطة وزارة الكهرباء والماء لتلبية احتياجات الطاقة الحالية والمستقبلية للدولة، طالباً الوقوف على أهم المعوقات والعقبات التي تؤدي إلى تأجيل وترحيل إنجاز المشاريع عن مواعيدها المحددة، وبيان أسباب ذلك، وضرورة الاستعجال وعدم التأخر في تنفيذ المشاريع الرأسمالية المستقبلية، والتأكيد على أهمية تكامل الجهود داخل الوزارة مع الجهات الحكومية المعنية الأخرى.

رد «الكهرباء»

فيما أرجعت وزارة الكهرباء والماء في ردها على تقرير «المحاسبة» أن سبب تأخر المشاريع يعود إلى طول الدورة المستندية، وتلبية طلبات بعض الجهات الرقابية، والتأخر عن تنفيذ المشاريع بحسب الفترة الزمنية لها.

وذكر الديوان أن هناك تأخرا وتعثرا في أعمال الصيانة الجذرية لأضخم محطات القوى الكهربائية وشبكات الكهرباء التابعة لها بقيمة 598 مليون دينار، الأمر الذي ترتب عليه عجز الوزارة عن تلبية الطلب على الكهرباء ابتداء من 2023، ومن المتوقع استمراره لثلاث سنوات.

تعثر 4 عقود

وأشار إلى تعثر وتأخر عدد 4 عقود طويلة الأجل لمشاريع محطات القوى الكهربائية تجاوزت قيمة أعمالها غير المنفذة 276 مليون دينار، وبنسبة 53 في المئة من إجمالي تكلفتها الأساسية والبالغة 523 مليونا، الأمر الذي يترتب عليه عدم تحقيق الأهداف المرجوة من أعمال مشاريع الصيانة الجذرية لمحطات القوى وتقطير المياه.

وأوضح أن هناك تعثرا وتعطلا لـ 3 عقود طويلة الأجل لمشاريع شبكات الكهرباء تجاوزت قيمة أعمالها غير المنفذة مبلغ 45 مليون دينار، بنسبة 60 في المئة من إجمالي تكلفتها الأساسية البالغة 74 مليونا، في حين أن رد الوزارة على الديوان أشار إلى الانتهاء من تلك المشاريع الخاصة بالصيانة ودخول الوحدات في الخدمة، ولفت «المحاسبة» إلى أن الوزارة لم ترفق في ردها أيا من استمارات الصرف في حال إنجاز الأعمال.

مشاريع الكهرباء المتأخرة

أعلن ديوان المحاسبة في تقريره عن مشاريع وزارة الكهرباء المتأخرة، والتي تمثلت في مشروع بمحطة الصبية لإدخال 250 و900 ميغاواط، ومشروع محطة النويصيب لإضافة 3600 ميغاواط المرحلة الأولى.

كما شمل التقرير مشاريع هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي تمثلت في مشروع محطة الزور الشمالية، المرحلتين الثانية والثالثة لإنتاج 2700 ميغاواط، ومحطة الخيران المرحلة الأولى لإنتاج 1800 ميغاواط، ومحطة الشقايا المرحلة الثانية لإنتاج 1500 ميغاواط، و»الثالثة» لإنتاج 2000 ميغاواط.

انقطاع التيار عام 2015... الأكبر خلال السنوات الماضية

شهدت البلاد خلال السنوات الماضية انقطاعات مختلفة للتيار الكهربائي، كان أكبرها الانقطاع الذي حدث في فبراير 2015، وكان نتيجة خلل فني أصاب الكابلات الهوائية في محطة الصبية، مما أدى الى خروج أكثر من ألفي ميغاواط من الخدمة، وتسبب في غرق مناطق واسعة من البلاد في الظلام.

وتسببت بعض الحرائق، على مدار السنوات الماضية، في المحطات الثانوية بانقطاعات مختلفة بالمناطق، وشملت تلك الحوادث جميع محافظات البلاد.

وأشارت وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، إلى أن حالات انقطاع التيار الكهربائي خلال الفترة من 1 يناير إلى 30 أغسطس 2023 بلغت 1071 انقطاعا، تعاملت معها الوزارة حتى انتهاء ذروة الأحمال. وقد أنذرت تلك الانقطاعات بأزمة كبيرة مرتقبة في قطاع الكهرباء خلال الأعوام التالية، وهو ما تحقق مع بدايات الصيف الراهن، حيث توالت الانقطاعات لتبلغ ذروتها أمس الأول، ويتوقع أن تستمر حتى نهاية موسم الذروة في الصيف، تحت وطأة الأحمال المتزايدة.