القضايا كل القضايا في الكون الاجتماعي الإنساني متشابكة، وأحيانا يصل التشابك حد التعقيد، مما ترتبك معه عملية الفهم والتفسير، لذلك لا بد من التحقيق والتدقيق في النظر والتحليل لهذه القضايا، فأزمة الكهرباء لا بد من الإحاطة بتشابكاتها وتعقيداتها للتوصل إلى الحل الناجع في ظل ظروف مناخية ملتهبة تجعل السكان على صفيح ملتهب تؤدي الى نتائج خطيرة على مستوى صحة الإنسان وسلامته وحفظ السلع المخزنة والأدوية المبردة، وتؤدي الى توقف كل الأنشطة وتدخلنا في أزمات لا سمح الله قد تفضي إلى جائحة!!!
بطبيعة الحال لا بد من المسارعة في توفير محطات توليد الكهرباء في السفن العائمة أو أي وسيلة أخرى منعاً لتفاقم الأزمة ومضاعفاتها لتجاوز فترة الصيف، هذا جانب، أما الجانب الأهم فهو المعالجة الجذرية لهذه المشكلة، وهنا لا بد من التحرك السريع والمنظم على صعيد خصخصة قطاع الكهرباء والماء وإيكال تقديم هذه الخدمة والمنتج الحيوي للقطاع الخاص بعد تركيز الضمانات والشروط والمعايير التي يجب أن تلتزم بها الشركات، وتقدم الخدمة بالنوعية والسعر المناسبين، مما لا مجال معه للاحتكارات والتلاعب بالأسعار مع أفضل الحوافز لإغراء الشركات العالمية ورؤوس الأموال كي تزحف وتستثمر في البلد، وهنا يجب التركيز على تقوية البنية التحتية والبنية القانونية وتسهيل الإجراءات الإدارية الرسمية لحركة العمالة ورؤوس الأموال والسلع.
والجانب الآخر تجفيف العمالة الهامشية وكل النشاطات غير الضرورية التي تستهلك الطاقة الكهربائية والإبقاء على العمالة الحرفية وذوي المهارات والأنشطة الاقتصادية والتجارية التي يحتاجها المجتمع، إضافة إلى فرض عملية التكويت السريع للقطاع الخاص عبر فرض قائمة من الأعمال التي لا تشغلها إلا العمالة الوطنية، كما هو معتمد ومُجرَّب في المملكة العربية السعودية.
ومن نتائج خصخصة قطاع الكهرباء والماء أن الدولة ستوفر ما قيمته 4 مليارات دينار، حيث بلغت مصروفات هذا القطاع في السنة المالية 2023-2024 (4.113 مليارات دينار)، كذلك من النتائج الإيجابية تخلص الدولة من بطء إجراءات المناقصات والدراسات ووضع الشروط وكل ما يتعلق بعمليات الترسية التي يستغرق بعضها عدة سنوات، وإذا تم الاعتراض عليها فستستغرق عملية التأجيل أيضاً عدة سنوات، كما أشار لذلك المحامي صلاح العلاج في إشارته لإنشاء محطة توليد كهرباء، إذ استغرقت من الدراسة الى الترسية الى التأجيل وإعادة الطرح 6 سنوات، وإلى يومنا هذا.
إضافة الى التخلص من الوساطات وضغوطها والبطالة المقنعة وكل سلبيات القطاع العام وتصريف العمالة الفائضة بالطريقة التي أشرنا إليها في مقالنا بتاريخ 2024/05/10.
ثم إني أشرت في مقال سابق إلى أن قطاع الكهرباء والماء يسبب خسائر للدولة، لأن المصاريف السنوية تبلغ عدة مليارات في الوقت الذي بلغت الإيرادات نصف مليار دينار سنويا ويستهلك هذا القطاع مع المحطات النفطية ما نسبته 59% من الدعوم لذلك ارتأينا أن توزع الحكومة مليارا ونصف المليار دينار للمواطنين على أن تصرف شهريا، فيكون لكل مواطن 83 ديناراً كبديل نقدي عادل للدعوم في الوقت الحالي، وسيواجه المواطنون بهذا الدعم الارتفاع المتوقع للكهرباء والماء.
فضلا عما سبق ستنتهي مشكلة تسديد فواتير الكهرباء وتراكم المستحقات المالية وربما يكون الدفع مسبقاً وبطرق سهلة، وهذا يدفع المواطن الى مضاعفة عمليات ترشيد الاستهلاك بكل صورها وأساليبها لأنه سيلمس تأثيرها الإيجابي على الفرق في مقدار الدفع الشهري.
أخيراً أظن أن خصخصة الكهرباء ستكون الحلقة الأولى التي تحفز الحكومة لخصخصة كل القطاع الإنتاجي من تعليم وصحة ومواصلات واتصالات وبريد وموانئ... إلخ.