قبل أيام من الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا، التي دعا إليها الرئيس الوسطي إيمانويل ماكرون، بعد هزيمة حزبه أمام اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، حذر خبراء اقتصاديون من خطورة البرامج الاقتصادية التي اقترحها حزبا التجمع الوطني اليميني المتطرف، والجبهة الشعبية الجديدة من اليسار، بينما لم تستبعد زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن الاستعانة بوزراء من خارج الحزب، وتشكل حكومة «كفاءات» في حال الفوز بالانتخابات.

التاريخ يتسارع

Ad

وفي حوار مع صحيفة لوموند قالت لوبن إن «التاريخ يتسارع» منذ الإعلان عن حل البرلمان، «فالجمهوريون ينهارون من الداخل، والحكومة تنهار»، واصفة زعيم حزب فرنسا المتمردة، جون لوك ميلونشون، اليساري الراديكالي بـ «مهندس الفوضى»، في حين لم يعد الرئيس إيمانويل ماكرون، وفقها، قادراً على تفسير تصرفاته، بدءاً من حل البرلمان. واعتبرت لوبن ذلك علامة على «عزلة» ماكرون، متعهدة باختيار المسؤولين «الأكثر كفاءة» بالوزارات في حالة الفوز، حتى لو كانوا من خارج الحزب.

اليسار خارج اكتئابه

غير أن مراقبين اعتبروا أن القوى اليسارية خلطت أوراق الانتخابات المبكرة بعد أن «أبرمت بسرعة غير متوقعة زواج مصلحة»، وشكلت «الجبهة الشعبية الجديدة». وكتبت صحيفة بوليتيكو: «انسوا اليمين المتطرف، فاليسار هو الذي يمكنه سحق ماكرون»، مشيرة إلى أن هذه الجبهة حصلت على ما بين 25% و28% من نوايا التصويت في الجولة الأولى، بحسب الاستطلاعات، خلف حزب التجمع الوطني (بين 30% و33%)، لكنها تتقدم على المعسكر الرئاسي الذي اكتفى بـ 18% من الأصوات.

وفي ألمانيا، وعلى نفس المنوال، تحدثت صحيفة تاغيسزيتونغ عن «الصدمة» التي أدت إلى «خروج اليسار أخيرا من اكتئابه الاجتماعي والسياسي»، مشيرة إلى التظاهرات المناهضة لحزب التجمع الوطني المتطرف، لاسيما يوم 15 يونيو، حيث عاد موضوع العدالة الاجتماعية إلى جدول الأعمال، إلى جانب رفض العنصرية.

من جهتها، لفتت صحيفة إل سالتو اليسارية الإسبانية إلى أن مصير «الجبهة الشعبية الجديدة» في فرنسا «مرهون بحجم المشاركة في الانتخابات ومستوى الخوف من اليمين المتطرف»، معتبرة أن تشكيل الجبهة هو الحدث الأكبر الذي شهدته فرنسا في الآونة الأخيرة.

وللوصول إلى السلطة، تعد الجبهة الشعبية بإدخال تغييرات جوهرية، كتجميد أسعار المواد الغذائية والطاقة والوقود، وسحب إصلاح المعاشات التقاعدية، وزيادة الحد الأدنى للأجور أو حتى بدلات السكن، وهو برنامج «مكلف جداً» في نظر صحيفة فايننشال تايمز المحافظة المختصة بالأعمال.

وعلى عكس «التجمع الوطني»، تقترح الجبهة الشعبية الجديدة بعض تدابير التمويل، مثل إعادة فرض ضريبة الثروة وزيادتها، وإعادة فرض ضريبة على الأغنياء الذين ينقلون موطنهم الضريبي إلى الخارج، وزيادة ضريبة الدخل والمساهمات الاجتماعية لأصحاب الدخل الأعلى.

ووفقا لبعض الاقتصاديين، يمكن أن تجلب هذه الإجراءات ما بين 54 و95 مليار يورو سنويا، حسبما ذكرت «فايننشال تايمز»، محذرة من أن «انتصار الجبهة الشعبية الجديدة قد يضع العلاقات بين باريس والاتحاد الأوروبي على المحك».

خطر باتجاهين

غير أن انتصار اليمين المتطرف في فرنسا يؤدي إلى «شلل الاتحاد الأوروبي» وإضعافه في لحظة جيوسياسية حرجة، وفق ما حذرت صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ الألمانية المحافظة، مضيفة أن ماكرون يمر بأزمة تخاطر بـ «إيقاف محرك أوروبا»، بالتزامن مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وارتفاع التوتر مع الصين، فضلا عن فقدان القدرة التنافسية مقارنة بالولايات المتحدة والصين.

في السياق ذاته، انتقد رئيس منظمة الأعراف في فرنسا (ميديف)، باتريك مارتن، البرامج الاقتصادية للتجمع الوطني والجبهة الشعبية الجديدة، محذرا في مقابلة مع صحيفة لوفيغارو من أنها «تشكل خطراً على الاقتصاد»، وطالب الزعماء السياسيين بإدراك حقائق ونقاط ضعف الاقتصاد الفرنسي، الذي يشهد أسوأ مستوى ديون وإنفاق عام في أوروبا وأعلى معدل ضرائب في الدول الديموقراطية.

واشار مارتن إلى أن «ما يقترحه حزب التجمع الوطني من شأنه أن يعزلنا عن الاتحاد الأوروبي حتى مع تضاؤل ثِقَل فرنسا في البرلمان الأوروبي. لقد فقدنا نفوذنا السياسي بالفعل؛ ونجازف بخسارة نفوذنا الاقتصادي والقانوني»، كما حذر من أن «برنامج الجبهة الشعبية الجديدة الاقتصادي سيؤدي إلى إنفاق عام إضافي بقيمة 200 مليار يورو كل عام، بتمويل من الضرائب أو من العجز، وسينتهي بالتأكيد بشكل سيئ، حيث سنضع أنفسنا في صعوبة كبيرة تجاه شركائنا الأوروبيين، وسيكون لذلك أيضا آثار سلبية جدا على شروط التمويل للجهات الفاعلة في القطاع الخاص والأفراد، لا سيما فيما يتعلق بالإسكان».

برنامج «البصلة»

من جانبه، برر رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال الإنفاق الحكومي بالأزمات المتتالية، ودافع عن السجل الاقتصادي للرئيس ماكرون، متعهدا بعدم فرض ضرائب جديدة، وقال: «لن نزيد الضرائب، ونحن الوحيدون الذين وعدنا بذلك». وسخر أتال من برنامج «التجمع الوطني»، وقال إنه «يشبه البصلة، تتقشر كل يوم، وفي النهاية لم يتبق سوى أعيننا لتبكي».

من جانب آخر، دان أتال حادثة الاغتصاب لفتاة (12 عاما)، داعيا إلى بناء «سدود» ضد معاداة السامية، ومتوعدا بـ «عقوبات قاسية على المسؤولين وغير قابلة للاستئناف»، كما دعا الزعماء السياسيين إلى «وضع حواجز» أمام معاداة السامية، وقال: «كفانا خطابات تستهين وتخلق مناخا قاتلا في فرنسا»، في انتقاد لميلونشون المتهم بمعاداة السامية.