في تأصيل لمشاكل التعليم المتجذرة في الكويت، اعتبر مركز الشال الاقتصادي في تقريره الأسبوعي أن مشروع «ادرس سنة وتخطَّ سنتين» الذي اعتمدته الحكومة في بداية تسعينيات القرن الفائت، بعد تحرير الكويت مباشرة، كان أول إجراءات هدم التعليم، لشراء ولاءات الناس، لافتاً إلى أنها تعاملت معه بمنطق «اشترِ علبة والثانية مجاناً»، كما لو كان سلعة صلاحيتها قاربت على الانتهاء.
وقال التقرير إن وزيراً سابقاً روى، في مقابلة تلفزيونية، أنه عندما كان عضواً في مجلس الجامعة خلال التسعينيات كذلك، أجمع أعضاء المجلس على رفض قبول مجموعة من الدكاترة ممن يحملون شهادات ضعيفة، وبعد فترة وجيزة من رفضهم، قُبِلوا بعد اتصال مباشر من مسؤول كبير جداً لمدير الجامعة لتغيير قرار مجلسها، بداعي أنهم «عيالنا».
أما عن الوقت الحالي، فذكر أن التعامل مع حادثة تسريب امتحانات الثانوية الأخيرة بمعزل عن الوعي بأنها مجرد ظاهرة أو إفراز لبيئة تعليمية خربة فاسدة استمرت جيلاً كاملاً على مدى 30 عاماً، مجرد تسطيح ضار، معتقداً أن «ما لا نعرفه أكبر».
وحذر التقرير من أن مخرجات تلك البيئة ستحتكر مسؤولية إدارة شؤون بلدٍ يولد فيه القطاع العام نحو 70 في المئة من اقتصاده، وذلك أخطر ما يواجه أي بلد، لافتاً إلى أنه لا بأس من إجراءات عقابية صارمة بحق من تَسبَّب في تسريب الاختبارات، لكنها مجرد «مراهم» لا تنفع إلا في إزالة احتقان على الجلد، بامتصاص بعض الغضب، «وربما تسبب غضباً أكبر لدى أناس باتوا يعيشون ببيئة قاعدتها الغش والتزوير».
وعلى سبيل المقاربة، اعتبر أن وضع بيئة التعليم في الكويت قريب من حالة منطقة جليب الشيوخ، مشيراً إلى أن مأساة حريق بناية المنقف ليست سوى تسريب لمؤشر واحد على انتشار الوباء الذي شمل مناطق الكويت الأخرى.
ورأى أن علاج خراب التعليم يكمن في تشريح بيئته وتحديد مكامن أورامها واستئصالها جراحياً، مقراً بأنه علاج مؤلم وطويل الأمد، «ولكن لا خيار دونه، فلا تقوم لبلد قائمة والقاعدة فيه هي ضعف وفساد تعليمه، من حيث المستوى والقيم».
وفي تفاصيل الخبر:
قال التقرير الأسبوعي لمركز الشال الاقتصادي، إنه قبل سنوات قليلة، تم تسريب أسئلة امتحانات، وبلغ عدد المستفيدين منها والمتورطين فيها نحو 40 ألف طالب إضافة إلى أولياء أمور ومسؤولين في وزارة التربية، تلتها فورة غضب ووعد بعقوبات صارمة وإجراءات حماية تمنع تكرارها.
وأضاف «الشال» أن الحادثة نفسها تكررت قبل بضعة أسابيع، وتسربت الأسئلة الأصلية، وتبعتها الاحتياطية، ولم يدخر التسريب أسئلة التربية الإسلامية، ولم يحد من تسريبها سياسات حماية موعودة، ولا وازع أخلاقي أو ديني أو قانوني، وفوق هذا وذاك، يقال إن التسريب في بدايته كان مجاناً، أو نوعاً من ممارسة الهواية، أو ربما التحدي. السؤال المستحق، وبعيداً عن رد فعل غاضب لا يعدو أن يتلاشى، هل تسريب الأسئلة هو لب أزمة التعليم والتربية، أم أنه أزمة بيئة تعليمية هابطة جذور خرابها ضاربة في العمق؟
وتابع أنه في بداية تسعينيات القرن الفائت، أي مباشرة بعد تحرير الكويت، بدأت الحكومة بإجراءات الهدم لمستوى التعليم، حينها، ومن أجل امتصاص غضب الناس وشراء ولاءاتهم وتمرير قوانين تنفيع لكبار المسؤولين، أعلنت مشروعها «ادرس سنة وتخطى سنتين»، أي بدأ التعامل مع التعليم كما لو كان سلعة صلاحيتها قاربت على الانتهاء، «اشترِ علبة والثانية مجاناً».
وأردف أنه في حادثة أخرى جرت في تسعينيات القرن الفائت أيضا، يروي وزير سابق في مقابلة تلفزيونية أنه عندما كان عضواً في مجلس الجامعة، أجمع أعضاء المجلس على رفض قبول مجموعة من الدكاترة ممن يحملون شهادات ضعيفة، وبعد فترة وجيزة من قرار الرفض، تم قبول مَن تم رفضهم بعد اتصال مباشر من مسؤول كبير جداً لمدير الجامعة لتغيير قرار مجلسها، لأنهم «عيالنا».
وأشار إلى أن الحادثتين مجرد مثالين، الأول للطالب، والثاني للمسؤول عن تعليم الطالب، ومن يومها خرب التعليم على المستويين، الطالب والمعلم، وفتحت شهية الطامحين بشراء الشهادات المزورة، ورغم تخلف التعليم العام بـ 4.8 سنوات، وقد بلغت نسبة النجاح في الثانوية العامة في سنة من السنوات أعلى من 95 في المئة، ولم تسلم مؤسسات التعليم العالي من التصنيف بمراتب بعيدة عن أقرانها في الإقليم. ولأن المكافأة لوظيفة القطاع العام ارتبطت بالشهادة فقط، لا بالحاجة أو الاختصاص أو المستوى، أصبح 84 في المئة من موظفي القطاع العام يحملون الشهادات ما بين الثانوية والدكتوراه، أو أعلى مستوى تعليمي لقطاع عام في العالم، مصاحباً لأعلى تكلفة وأدنى إنتاجية للقطاع.
وبين أن التعامل مع حادثة التسريب بمعزل عن الوعي بأنها مجرد ظاهرة أو افراز لبيئة تعليم خاربة فاسدة استمرت على مدى جيل كامل، مجرد تسطيح ضار، بدليل أنه لم يمنع تكرارها خلال سنوات قليلة، وما لا نعرفه أكبر. لقد أصاب الخراب جيلا كاملا، أي استمر على مدى 30 عاماً، ومخرجات تلك البيئة سيحتكرون مسؤولية إدارة شؤون بلد يولد فيه القطاع العام نحو 70 في المئة من اقتصاده، وذلك أخطر ما يواجه أي بلد.
وأوضح، لذلك، لا بأس من إجراءات عقابية صارمة بحق من تسبب في التسريب، ولكنها مجرد «مراهم» لا تنفع إلا في إزالة احتقان على الجلد، أي امتصاص بعض الغضب، وربما تسبب غضبا أكبر لدى ناس باتوا يعيشون بيئة، القاعدة فيها هي الغش والتزوير.
وذكر «الشال» أنه للمقاربة فقط، وضع وبيئة التعليم في الكويت قريب من حالة منطقة جليب الشيوخ، ومأساة حريق بناية المنقف ليست سوى تسريب لمؤشر واحد على انتشار الوباء الذي شمل مناطق الكويت الأخرى. لذلك، العلاج يكمن في تشريح تلك البيئة وتحديد مكامن أورامها واستئصالها جراحياً، وهو علاج طويل الأمد ومؤلم، ولكن لا خيار دونه، فلا تقوم لبلد قائمة والقاعدة فيه هي ضعف وفساد تعليمه، من حيث المستوى والقيم.