منتدى حوار التعاون الآسيوي... فرصة لتعميق التعاون في آسيا
تستضيف طهران هذا الأسبوع اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في منتدى حوار التعاون الآسيوي “ACD”، وهو المنتدی الذي تستضیف الکویت مقره الدائم انطلاقا من حرصها على تعزيز الحوار والتعاون الآسيوي حيث سيشارك في الاجتماع وزراء وكبار المسؤولين من الدول الـ 35 الأعضاء في المنتدى علاوة على وفد رسمي من دولة الكويت، اضافة إلى رؤساء المنظمات الإقليمية ومتعددة الطرف الآسيوية.
يأتي هذا الحدث متعدد الطرف المهم في وقت يخيم فيه الحزن على ايران، إثر استشهاد اثنين من رواد التعدّدية، الرئيس ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية أمير عبداللهيان.
وكان قد تم التخطيط في وقت سابق لعقد هذا الاجتماع في طهران بدعم من هاتين الشخصيتين الكبيرتين وفي سياق رؤيتهما طويلة الأمد، حيث كان يولي الرئيس ووزير الخارجية اهتماماً كبيراً وجدياً بعدم حصر التعاون في التعاون مع الغرب وعدم الاعتماد عليه، من خلال التوجه نحو الشرق، وتعزيز الهوية الآسيوية، وفي نهاية المطاف، وضع سياسة حسن الجوار في خدمة التنمية والأمن الجماعيين.
لا شك في أن التقارب الإقليمي في إطار العضوية الفعالة في المنظمات الإقليمية والعالمية سيحرر المجتمع العالمي من آفات نظام الهيمنة ويدفع نحو التعددية باعتبارها السبيل إلى تحقيق العدالة على الساحة الدولية. ومن هذا المنظور يمكن تقييم الاهتمام الخاص الذي أولته حكومة الرئيس رئيسي لـ«منظمة شنغهاي» ومجموعة «بريكس»، والذي بدأ بإضفاء الطابع الرسمي على عضوية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هاتين الآليتين الدوليتين من منطلق فكرة التعددية واستمر من خلال المشاركة النشطة فيهما. وينبغي، في سبيل تحقيق التعددية، الاهتمام أيضاً بالهوية والمثل العليا، وهو حاجة ملحة بإمكان منتدى حوار التعاون الآسيوي أن يلبيها. إن مشاركة القوى الناشئة في هذا المنتدى تعطي زخماً أكبر لعملية تطور هوية هذا المنتدى وستعزز الآمال في مستقبله المشرق.
لا یزال یخیم على آسيا والعالم حزن عميق وصدمة شديدة بسبب استمرار الجرائم والإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة.
اليوم، وبعد مرور أكثر من 8 أشهر على الكارثة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، فشل المجتمع الدولي في وقف هذه الانتهاكات والاعتداءات على الأبرياء، خاصة النساء والأطفال، بسبب العقبات التي وضعها نظام الهيمنة العالمي. وفي هذا الخضم، قد بذل أعضاء منتدى حوار التعاون الآسيوي، كل بدوره، جهوداً من أجل إنهاء هذه الجرائم وإقرار وقف إطلاق النار وإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مع ذلك، فإن الجهود الجماعية في هذا الصدد لا تزال ضرورة ملحة وخطوة نحو تحقيق أهداف هذا المنتدى وهو ما سيتم التأكيد عليه خلال الاجتماع الذي سيقام في طهران.
ويجدر بالذكر أنه في شهر يونيو، وأثناء اجتماع وزراء خارجية الأعضاء في مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D8) في تركيا، شهدنا مساعي الدول الأعضاء في تلك المجموعة لتبني مواقف جماعية لوقف الهجمات وإنهاء أعمال الإبادة الجماعية في غزة.
إن منتدى حوار التعاون الآسيوي الذي تأسس في عام 2002، يغطي مساحة كبيرة من قارة آسيا الشاسعة، تضم الدول الـ 35 الأعضاء في هذا المنتدى 56% من سكان العالم وتملك 35% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتسعى من خلال الحوار والشراكة إلى تطوير العلاقات في مختلف المجالات، بما فيها المواصلات، والاتصالات، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، والتعليم وتنمية الموارد البشرية، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة والأمن المائي، والثقافة والسياحة، والتنمية الشاملة والمستدامة.
انضمت إيران إلى منتدى حوار التعاون الآسيوي في 2004 وتعتبر أحد الأعضاء الفاعلين فيه، ومنذ أكتوبر 2023، تولى وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبداللهيان، رئاسة هذا المنتدى.
إضافة إلى إيران، يضم المنتدى أعضاء آخرين هم: الكوبت، تايلاند، وإندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وبروناي، وسنغافورة، وكمبوديا، وفيتنام، وميانمار، ولاوس، والنيبال، وروسيا، وتركيا، واليابان، والصين، ومنغوليا، وكوريا الجنوبية، والهند، وأفغانستان، وباكستان، وبنغلادش، وسريلانكا، وبوتان، والبحرين، والسعودية، وقطر، والإمارات، وعمان، وفلسطين، وكازاخستان، وأوزبكستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان.
إن أحد الأهداف الرئيسية التي أعلنها المنتدى هو تشكيل “المجتمع الآسيوي”.
بالنظر إلى الثراء الثقافي والقيم الآسيوية الراسخة، فضلاً عن الإمكانات والمقدرات الكبيرة الاقتصادية والتكنولوجية في هذه القارة، إذا تعزز الشعور المشترك لدى شعوب قارة آسيا في الانتماء إلى مجتمع آسيوي، فلا شك في أنه سيجلب لهم الكثير من البركات والمكاسب. كما من شأنه أن يشجع الدول الآسيوية على إنشاء تحالفات آسيوية وبالطبع “الاتحاد الآسيوي” في الوقت المناسب، ويمكن لمنتدى التعاون الآسيوي أن يلعب دوراً مهماً في هذا الصدد. في هذا السياق، لا ينبغي أن نتجاهل تأثير التفاعل بين الشعوب والدور الذي يلعبه القطاع الخاص في تحقيق هذه الأهداف القيمة. كما تشكل السياحة والتبادلات الثقافية بين بلدان آسيا، والدور القوي للقطاع الخاص لدى الدول الأعضاء في التعاملات الاقتصادية والتجارية بين البلدان الآسيوية، محركاً فعالاً في هذا الصدد.
في فترة رئاستها لهذا المنتدى، اتخذت الجمهورية الإسلامية الإيرانية خطوات جيدة في كلا المجالين المذكورين أعلاه. فقد وفر إعلان مدينة يزد “العاصمة السياحية لمنتدى حوار التعاون الآسيوي في عام 2024” أرضية مناسبة لعقد بعض الأنشطة والبرامج السياحية - الثقافية الآسيوية. كما سيتم عقد اجتماع لوزراء السياحة للدول الأعضاء في المنتدى في مدينة يزد هذا العام ليقرروا أوجه التعاون المستقبلي. كما استضافت مدينة أصفهان، في مايو هذا العام، غرف التجارة للدول الأعضاء في المنتدى، حيث تم التوصل إلى توافقات حول بعض الإجراءات المشتركة المستقبلية ونشر “ميثاق اصفهان”.
إن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم على أساس التعددية، وحسن الجوار، والتنمية الجماعية من خلال الإقليمية، لذلك فإن التصدي للأحادية والهيمنة، ودعم الآليات متعددة الطرف الإقليمية الدولية، هي من أولويات الدبلوماسية الإيرانية. وعليه، وظّفنا فرصة رئاستنا لمنتدى حوار التعاون الآسيوي لتعزيز وترسيخ أسس الحوار والتعاون، وبدعم من الدول الأعضاء والأمانة العامة للمنتدى، قد تم اتخاذ خطوات فعالة وإيجابية في هذا الصدد. وستتم مناقشة بعض هذه الإجراءات والمبادرات خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في طهران لاتخاذ القرارات المناسب بشأنها.