منذ تأسيس الصندوق السيادي في الخمسينيات، كان يؤدي دوره التنموي كوعاء ادخاري للفوائض من الإيرادات النفطية التي لم تتمكن الدولة من صرفها على الاحتياجات التنموية. وتركز عمل هذا الصندوق، وكان مقره المملكة المتحدة، في استثمار هذه الفوائض وعوائدها في الأسواق المالية العالمية، وهو أول صندوق سيادي في العالم تلته بعد ذلك عدة دول في إنشاء مثل هذا الصندوق.

عام 1976، ومع ارتفاع الإيرادات النفطية، (نتيجة عدة أسباب) وتزايد المطالبات الشعبية بصرفها على الجيل الحالي على شكل نفقات جارية دون أي جدوى اقتصادية أو تنموية، تم إنشاء صندوق الأجيال القادمة، لحماية تلك الفوائض (مرسوم بقانون 106 لسنة 1976)، حيث جرى تحويل 50 بالمئة من الاحتياطي العام للدولة الى هذا الكيان الجديد، واستقطاع نسبة 10 بالمئة من إجمالي الإيرادات الحكومية وإيداعها فيه، على أن يتم استثمارها في الأسواق العالمية، ومن خلال استثمارات آمنة، وقد نص هذا القانون على عدم المساس بهذا الصندوق أو عوائده أو خفض نسبة الاستقطاع.

Ad

وخلال نصف قرن تقريباً، نجح هذا الصندوق في النمو بشكل كبير من خلال الاستقطاعات وإعادة تدوير عوائده.

وأدى صندوق الأجيال القادمة دوراً كبيراً في تمويل تكلفة تحرير الكويت من الغزو العراقي عام 1990، وتكلفة إعادة البناء بعد التحرير، إلا أنه في نفس الوقت تعرّض للسرقة من قبل بعض المسؤولين على إدارته، مما ترتب عليه إعادة هيكلة إدارة وتبعية هذا الصندوق.

وبالرغم من أن فكرة هذا الصندوق بالأساس أن يتمتع بكيان مستقل بالكامل عن مالية الدولة واحتياجاتها المالية، فإن تذبذب أسعار النفط، خاصة منذ نهاية القرن الماضى، وارتفاع النفقات الحكومية بشكل متزايد ومستمر، خلق ضغوطاً عديدة على هذا الصندوق، مما أدى الى وقف استقطاع 10 بالمئة من إجمالي الإيرادات الحكومية، وإلى بيع بعض الأصول المحلية (من صندوق الاحتياطي العام) على صندوق الأجيال القادمة، وذلك بهدف تمويل العجز في الميزانية العامة للدولة.

وتشير جميع المؤشرات الى أن تلك الضغوط على هذا الصندوق ستستمر، وربما تتزايد لاعتماد الميزانية العامة للدولة بشكل كلّي ومتزايد على الإيرادات النفطية، ونتيجة لعدم توافر مصادر بديلة للإيرادات العامة، وفشل سياسات تنويع مصادر الدخل للاقتصاد وعدم قدرته على خلق فرص عمل جديدة للعمالة الوطنية خارج القطاع العام.

إزاء ذلك، وبناء على هذه الخلفية السريعة عن الصندوق السيادي، تظهر مؤشرات الحاجة إلى إعادة رسم استراتيجيات وسياسات هذا الصندوق، وإعادة هيكلته من خلال إنشاء صندوق استثماري جديد متفرع منه، ليكون القاطرة في تحقيق استراتيجية التنمية الاقتصادية محلياً من خلال قيادة الاستثمار في قطاعات ومشاريع (منفرداً أو بالشراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي) تهدف إلى تطوير نشاطات اقتصادية جديدة وخلق فرص عمل منتجة للشباب، وإضافة مصادر تمويل متجددة للمالية العامة.

وهناك العديد من الأمثلة لذلك النموذج، منها على سبيل المثال سنغافورة التي لديها صندوقان سياديان (GIC، Temasek)، ودولة الإمارات، ولديها 3 صناديق سيادية (هيئة أبوظبي للاستثمار، وشركة مبادلة للاستثمار، وشركة أبوظبي التنموية القابضة)، والتي تختص بالاستثمار في الاقتصاد المحلي.

ولكي تتوافر مقومات النجاح، يحتاج هذا الصندوق إلى إدارة تتميز بالاحترافية تنظمه الحوكمة وتسوده الشفافية حتى لا يحيد عن أهدافه المنشودة وتبعده عن شبهات الفساد والمحسوبية.

على أن تنظم استثمارات هذا الصندوق مجموعة من المعايير والأهداف الواضحة، مثل حجم الوظائف المنتجة للعمالة الوطنية التي تخلقها تلك الاستثمارات، ونسبة الأثر المضاعف (Multiplier Effect) لهذه الاستثمارات على الاقتصاد المحلي والقيمة المضافة التي تولّدها.

وكذلك حجم وقيمة الصادرات التي تضيفها تلك المشاريع وقدرتها على إحلال بعض الواردات، على أن يعمل هذا الصندوق في قيادة مشاريع عملاقة طويلة الأجل (مثل البنية التحتية)، التي يحتاج الاستثمار فيها الى فترة زمنية طويلة لتحقيق عوائد مالية منها، إلا أنها تحقق عوائد اقتصادية مجزية للاقتصاد، وتخلق مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم على هامش تلك المشاريع.

ومن الأمثلة لتلك المشاريع التي تنوي الحكومة الاستثمار فيها بالفترة القادمة، والتي يمكن أن يكون لهذا الصندوق الدور في تمويلها بدلاً من الميزانية العامة للدولة: ميناء مبارك، والسكك الحديد، ومجمع البتروكيماويات، ومشروع المترو، ومحطات توليد الكهرباء بالطاقة المتجددة.

كما يمكن الاستفادة من المشاركة في الاستثمار مع «صناديق البنية التحتية»، والتي ازداد في الفترة الأخيرة اهتمامها باقتصادات المنطقة.

وحسب ما هو منشور، يستثمر صندوق الأجيال في بعض هذا الصناديق بالمنطقة وخارجها لاستقرار وأمان عوائدها.

ولا بد من الإشارة إلى أن هناك العديد من الدراسات قدمت مجموعة من الأفكار والمقترحات لتلك القطاعات والمشاريع التي يمكن لهذا الصندوق أن يستثمر فيها.