بداية، قال جاسم السعدون: لقد تأخر الوقت كثيراً في التعامل بشفافية مع القطاع النفطي، لكن أن يبدأ متأخراً خير من استمرار وضعه الضبابي، مضيفاً: لا بد من الإجابة عن بضعة أسئلة كمدخل للشفافية المطلوبة، مثل:

1. لماذا ارتفعت تكلفة إنتاج البرميل إلى ما فوق الـ 12 دولارا أو 5 - 6 أضعاف مستواها بداية القرن الحالي؟

Ad

2. هل غالبية العاملين المواطنين في القطاع النفطي يمارسون أعمال الإنتاج والصيانة والتشغيل ويراكمون علمهم وخبرتهم.. أم أن الغلبة لأعمال المقاولين؟

3. كم تبلغ نسبة العمالة الإدارية والفائضة في شركات القطاع النفطي مقارنة بالشركات المماثلة؟

4. هل الإفصاح عن احتياطيات الكويت النفطية وعن حالة مكامنها دقيق؟

5. هل تعيين وزراء النفط يتم وفق معايير تخدم تنافسية وتفوق القطاع النفطي، أم أنه ترضيات وتسويات سياسية، مما تسبب في تخلّف القطاع؟

وذكر السعدون أن الإجابة الصحيحة عن الأسئلة السالفة الذكر ستعطي رأياً قاطعاً حول وضع الإدارة العامة للقطاع النفطي، وسوف يتضح منها كيف أن إدارة القطاع أقرب للحالة الفنزويلية وبعيدة جداً عن الحالة النرويجية. وعدا عن ملكية المكامن والتحكم بمستويات الإنتاج، يفترض أن تكون معظم الأنشطة الأخرى مدارة من القطاع الخاص، مع تطبيق نظام ضريبي يمنح الدولة حقها من الإيرادات وخلق فرص عمل مواطنة، فتكلفة إنتاج نحو 2.5 مليون برميل يومياً أكثر من 3 مليارات دينار في السنة، وخفضها بهامش كبير هو ما يحقق ما يكفي من إيرادات للقطاع الخاص، ويرفع نصيب الدولة من الإيرادات إلى أعلى مما تحصل عليه حالياً عند أي مستوى من الإنتاج.

عجز إداري

وحول أهم التحديات التي قد تقف حائلاً أمام رفع الإنتاج إلى الهدف المرجو ضمن خطة القطاع الاستراتيجية، أوضح السعدون أننا لن نعرف أبداً الإجابة عن هذا السؤال، فكل المستهدفات قديماً بُنيت على فرضيات واقع زمنها، ولكنها فشلت، ولا نعرف ما إذا كان الفشل بسبب عجز إداري سياسي، أو بسبب اعتماد فرضيات لا تمثّل الواقع، أو بمعنى آخر، بنيت على معلومات خاطئة عن وضع المكامن ومحتواها.

وأردف: أنا أميل إلى رأي أنها فشلت لخليط من المبررات السابقة، إضافة إلى ارتفاع مستوى الفساد، لأنها لو كانت خاصة بضعف صواب الفرضيات فقط، لما فشلت معظم مشروعات القطاع في الخارج، بدءاً من «سانتافي» إلى مصافي روتردام، إلى محطات التجزئة في إنكلترا، إلى مشروع غاز الجنوب، إلى الداو ومصفاة فيتنام، وكثير غيرها.

وأكد أن الكويت هي الأعلى اعتمادا على النفط، ويحتاج القطاع إلى دراسة ومراجعة وإصلاح جذري، والخامات البشرية المتفوقة متوافرة فيه لو استبعد عن استخدامه مركز توظيف في معظمه سياسي، بسبب خطيئة كوادره في بداية العقد الفائت.

الهيكل التنظيمي من ناحيته، قال عضو المجلس الأعلى للبترول الأسبق، محمد الهاجري، إن القطاع النفطي ما زال يئن تحت وطأة هشاشة الهيكل التنظيمي للقطاع وعدم وضوح المسؤوليات والمهام فيما بين الوزارة والمؤسسة والشركات النفطية، لافتا إلى أن أي حديث عن خطط استراتيجية للقطاع أو تطوير العمل بأنشطته المختلفة، سواء برفع الإنتاج أو تطوير المصافي أو التوسع بالاستثمارات الخارجية لن يأتي بأي نتيجة، فالشركات وإن کانت شکليا لها شخصية مستقلة ومجالس إدارات وإدارات تنفيذية عليا، إلا أنها مكبّلة من قبل إدارات بالمؤسسة!

وقال الهاجري إن تعدد أو تكرار الشركات العاملة في النشاط، سواء بالاستخراج أو التكرير خلق منافسة سلبية بينها واختلالات وظيفية فيما بين قيادييها وموظفيها، وحتى عقود الخدمات والصيانة والتشغيل لكل منها.

وذكر أنه لا يوجد حتى الآن قرار رسمي ونهائي فيما يتعلق بإعادة هيكلة القطاع النفطي مثلما هو حاصل فيما بين شركتي البترول الوطنية وكيبيك، لافتا الى أن ذلك انعكس سلبا على القيادة الوسطى لشركة كيبيك واختلال بتوزيع المهام، وكذلك الأمور تتجه لنفس النتيجة فيما بين «نفط الكويت وناقلات النفط».

مفهوم الخصخصة

وأفاد بأننا في الكويت لدينا تخوّف وعدم فهم لمفهوم الخصخصة، وهناك قوانين شرعت لتقييدها في القطاع النفطي، متسائلا بشأن استمرار نشاط التسويق المحلي ضمن شركة البترول الوطنية بكل ما يمثله من عبء إداري على قيادات الشركة خاصة، وموضحا أنه نشاط بيع منتجات وليس تسويقا بالمعنى العلمي للكلمة.

ولفت الى وجود نشاط مشابه وهو بيع أسطوانات غاز المنازل، الذي يتبع ناقلات النفط دون أي رابط بين الشركات، وهذا النشاط بالإضافة الى بيع الوقود للشركات والقطاعات الصناعية الأخرى الذي تقوم به مؤسسة البترول، وهي أنشطة متقاربة يمكن دمجها تحت شركة الخدمات البترولية، ولتتفرغ «البترول الوطنية» للمصافي والناقلات لنشاطها الأصلي، والانتها ء من خصخصة محطات بيع الوقود المتبقية.

عامل مؤزم

وقال إن عدم وجود مجلس أمة حاليا، بشكل مؤقت، والذي كان يعتبر عاملا مؤزما بسبب ممارسات بعض أعضائه، وتدخلاتهم بالقطاع النفطي، تعد فرصة ذهبية للحكومة ولوزير النفط د. عماد العتيقي للبدء فوراً بتنفيذ نتائج دراسة إعادة هكيلة القطاع النفطي، وعلى الوزير العتيقي الذي عاصر القطاع من خلال عضويته بالمجلس الأعلى للنزول وتخصصه العلمي، أن يبدأ فوراً بترتيب العلاقة بين وزارة النفط المشلولة ومؤسسة البترول وشركاتها.

وقال: إذا كنا نطالب سابقاً بالاستقلالية للقطاع النفطي عن التجاذبات السياسية، فها هو يتحقق اليوم، لافتا الى ضرورة إعادة إحياء دور المجلس الأعلى للبترول والاستعانة بالخبرات من الأعضاء الخارجيين، وعدم الركون الى السلبيات التي لا دخل للمجلس الأعلى بها، مثل ندرة الاجتماعات وتعديل القرارات من مجلس الوزراء، مؤكدا أن المجلس الأعلى للبترول مجلس فني تنفيذي وليس استشاريا، والتقييم يجب أن يكون عن القرارات الحيوية التي اتخذها والتي أثبتت صحتها.

وأخيرا، من المهم إعادة النظر بقرار إنهاء خدمة وتقاعد من أمضى 35 سنة أو بلغ سنه، الأمر الذي أدى الى تفريع القطاع من القياديين، حيث كان أثر هذا القرار واضحا للعيان والمتابع والمراقب، مشددا على أنه لا يمكن للقطاع المضي بخطط التطوير والمنافسة كرفع الإنتاج وتطوير المصافي والمضي ببرامج التوسع في صناعة البتروكيماويات من دون الخبرات التي خسرناها، ولا يمكن تعويضها.

تقديم أوراق من جهته، قال الخبير والمحلل النفطي كامل الحرمي: لقد حان الوقت لتقديم القطاع النفطي أوراقه بكل شفافية إلى وزير النفط والمجلس الأعلى للبترول عن خططه المقبلة للقطاع بكل التفاصيل والمتطلبات، بكل شفافية، وماذا يريد في النهاية من أداء ومن إنتاج وتكرير والتوسع والخصخصة، وكذلك التخلص من بعض الشركات التي لا تمثّل صلب وأساسيات وأهداف القطاع النفطي، ومن دون أي تحفّظ، وذلك نظراً لأنه الوقت المناسب.

ولفت الى ضرورة أن يبدأ القطاع بزيادة إنتاج الكويت من النفط الخام إلى معدل عملي معقول، وحسب ظروف الحقول النفطية الحالية، وذلك كأولوية، فضلا عن تحديد مدى احتياجات هذه الحقول من التقنيات، متسائلا: هل تستطيع شركة النفط القيام بهذه التحديات، أم أنها تحتاج إلى التعاون مع الشركات النفطية العالمية؟

وأضاف: هل تستطيع الحقول أن تنتج مثلاً حوالي 3.5 ملايين برميل من النفط الخام خلال الـ5 سنوات المقبلة، أي عام 2029؟ وهل نستطيع الوصول إلى 3 ملايين بصورة مستمرة خلال السنوات المقبلة، أم أن هناك حاجة إلى التعاقد مع الشركات النفطية العملاقة؟

وقال إنه من الضروري، ومن دون تردد، العمل على خصخصة بعض الشركات النفطية التابعة، ولنبدأ بالأسهل، وهي شركة ناقلات النفط، التي كانت أساساً مملوكة بالكامل للقطاع الخاص، وخالية من أي ملكية حكومية، وهي لا تمثّل أيضاً صلباً أو جزءاً أساسياً من القطاع النفطي، لافتا الى أنه من الممكن استئجار ناقلات نفطية وبترولية من جميع الأحجام والأنواع على المديين البعيد والمتوسط، مثل الشركات النفطية العملاقة، ومن دون «صداع رأس»، سوى الصيانة وكلفة العمالة ورواتبهم، ومشاكل تلوث البيئة وغيرها والمتعلق بالبحار والبحارة، والقوانين الدولية المتعلقة بهم.

وأضاف أن الشركة الأخرى التي حان وقت بيعها ومن دون تردد، حيث طال الحديث عن بيعها وتأخر، وهي شركة كوفبك للتنقيب والبحث عن النفط خارج الحدود الكويتية. وللوصول إلى إنتاج 200 ألف برميل في اليوم من الحقول الخارجية، وقد يكون الوقت المناسب للتخلص منها، وذلك للتركيز والاستفادة من خبراتها محلياً، وهناك شركات مستعدة لشراء الحصص.

وأوضح الحرمي أن هناك شركات أخرى لا تمتلك حصصاً من النفط الخام أو المشتقات البترولية، مثل شركة البترول الوطنية التي تمتلك 3 مصافٍ محلية، أو مثلاً شركة البتروكيماويات، التي هي أيضاً جزء منها مثل إيكويت وتمتلك فيها «داو كيميكال» 45 بالمئة.

ولفت الى أن التحديات كبيرة، وعلى مؤسسة البترول التفكير وإعداد استراتيجياتها بأسرع وقت ممكن وللحصول على الموافقات المطلوبة في محاولة لرفع إنتاج النفط الخام إلى المعدل المطلوب، سواء 3 ملايين في اليوم أو أكثر من شركة نفط الكويت فقط من دون النفوط الحدودية.

وأكد أنه قد حان الوقت لتطوير القطاع النفطي من جميع الجهات والشركات التابعة، ولم يعد لدى القطاع أي عذر عن أي تأخير في مشاريعه النفطية، ومن ثم تحقيق القيمة المضافة من جميع شركاته التابعة، والأهم الإسراع في تطوير الانتاج، سواء من داخل القطاع أو الاستعانة بالشركات النفطية العملاقة.