سندخل الشهر التاسع من معركة الردع المتبادل بين إسرائيل والفلسطينيين، وما زال هناك من يصور الحرب بين حركة حماس كفصيل «إخواني» وكيان محتل من دخول أميركا وبريطانيا بالمعركة وبشكل واضح، وبالرغم من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على «الشعب الفلسطيني» أينما وجد على أرض فلسطين، فإن تياراً جارفاً وواسعاً في العالم العربي يعتقد أن الحرب إذا توقفت وانتصرت فيها حماس «راح الإخوان المسلمين يذلونا» لأنه سيسجل كانتصار تاريخي للإخوان ويشد أزرهم.

هذا التيار ليس شعبياً ولا نخبوياً فقط بل هو على مستوى أنظمة وحكام وربما كان أحد «المفكرين» في حزب القوات اللبنانية الذي ظهر على إحدى المحطات الفضائية قبل أيام، صادقاً في تعبيره وبالنيابة عن تلك الجموع عندما راح يبشرنا بأن «المعركة ستستمر حتى القضاء على السنوار، لأنه إذا انتصر السنوار يعني أن كل مسلمي العالم سيقولون إن المقاومة والعنف الخيار السليم، وبالتالي تهتز مجتمعات بأكملها، ولذلك يجب القضاء عليه وعلى الحركة التي ينتمي إليها».

Ad

لا نبالغ بالقول إن هذا التيار يتمنى ألا تبقى «حماس» بالصورة، وألا تتوقف المعركة التي تقودها إسرائيل وحرب الإبادة اليومية التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني، حتى يتم القضاء على آخر مقاتل حمساوي في قطاع غزة.

هؤلاء اصطفوا في طابور واسع يكبر كل يوم ويتعاظم دوره، على أمل أن يحصلوا على اعتراف من نتنياهو إذا استمر في الحكم بالموافقة المبدئية «بدولة فلسطينية مسخ» موعودة، وبإعادة خلق تحالف عربي إسرائيلي جديد ضد إيران.

في خضم هذا التباين المخيف تجاه ما يحدث في الأرض الفلسطينية التي لم تشهد حرباً كتلك الحرب القائمة والمستمرة منذ طوفان الأقصى بقي من يصور المعركة الجارية والمستمرة التي راح ضحيتها ما يقرب من 38 ألف شهيد حتى الآن، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي أنها بين فرع للإخوان المسلمين يدعى حماس وبين كل تلك القوى التي تتبنى وجهة نظر إسرائيل بالمواجهة.

لم ير هذا التيار من المعركة سوى وجه واحد فقط لا غير، وأشاح بوجهه وعقله عن تاريخه وانتمائه وكل ما عداه، المهم عندهم ألا تبقى «حماس» في الصورة لأنهم من الإخوان المسلمين وتاريخهم انتهازي، والتساؤلات التي تستدعي نفسها الآن بعد هذا الصراع المرير والمواجهة الصعبة والتدمير الذي لم يُبق حتى على الحجر:

هل تغيرت «حماس» ونزعت عن جسدها الثوب الإخواني وتحولت إلى حركة تحرير وطنية فلسطينية بحتة؟ وهل ما زالت «حماس» التي تقاتل أقوى الجيوش في العالم ومن ورائها أميركا طيلة تسعة أشهر في أطول حرب عرفتها المنطقة ترهن مصيرها بمصير تنظيم الإخوان المسلمين الدولي المشبوه منذ نشأته؟ وهل حقيقة أن فكر ورؤية حركة حماس السياسية وصلها التغيير واستفادت من تجارب الثورة الفلسطينية وأخطائها وخطاياها؟ وهل يستوي القول بالقضاء على مليونين ونصف المليون من الشعب الفلسطيني الأعزل وبأبشع وأقذر المجازر حتى يتم القضاء على حركة حماس والسنوار؟ ومن قال إن هذه الحركة ستنتهي إذا تحقق هذا «الإنجاز» غير الإنساني وغير الأخلاقي بالمرة والمنافي لأبسط حقوق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولية؟

«حماس» ليست نبتة شيطانية ولا هي قدرات عسكرية فقط، بل ثقافة وانتماء فكري وبعد ديني، حتى إن تم القضاء على قوتها العسكرية أو جرى تدميرها، فستعود لتنبت من جديد.