«القيادة: ست دراسات في الاستراتيجية العالمية» هو كتاب من تأليف هنري كيسنجر، Henry Kissinger نشر في عام 2022، ويقدم أطروحة عن الحكم والقادة السياسيين من خلال ستة أمثلة قيادية من القرن العشرين يشرح كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق وثعلب السياسة الأميركية في مقدمة كتابه Leadership: Six Studies in World Strategy معنى القيادة بقوله: أي مجتمع وبغض النظر عن نوع النظام السياسي الذي يحكمه، يخضع لعملية تحول أو انتقال مستمر بين الماضي والمستقبل الذي يتطلع إليه، وخلال هذا المسار الصعب، فإن فن القيادة يصبح ضرورة لا غنى عنها، وتعني القيادة القدرة على اتخاذ القرار، وكسب الثقة، والحفاظ على الوعود، كما تعني كيفية مساعدة البشر على العبور من واقع يعيشونه ويدركونه جيداً، إلى واقع مغاير ربما لم يمر في خيالهم، فبدون القيادة المناسبة في تلك المراحل الحساسة، قد تنتهي عمليات التحول بكارثة تحيق بتلك المجتمعات.
وقد حدّد كيسنجر خصلتين أساسيتين في أي قائد هما الشجاعة والشخصية، فالشجاعة عند كيسينجر هي اختيار الموقف الصحيح من جملة الخيارات الصعبة المعقدة، أما الشخصية فيجب أن تكون قوية في لحظة صنع القرار واتخاذه.
ويؤكد كيسنجر على أهمية القائد الفرد ودوره، حيث يقول: «القادة يفكرون ويعملون عند تقاطع محورين: الأول بين الماضي والمستقبل، والثاني بين القيم الثابتة وطموحات من يقودونهم».
وذكر كيسنجر في كتابه «القيادة» Leadership ست استراتيجيات عالمية ارتبطت بست شخصيات مهمة، هي:
1- كونراد اديناور Konrad Adenauer، أول مستشار لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو السياسي الألماني الذي تحمل وحكم ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وتحمل مرارة الهزيمة وأعاد بناء الدولة وسط مطامع الحلفاء، حيث ارتبط اسمه بـ«استراتيجية التواضع أو حتمية التجديد».
2- شارل ديغول، Charles de Gaulle، القائد الفرنسي الشهير وقائد حركة المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية الذي أسس حكومته في المنفى في الحرب العالمية الثانية، وحارب الألمان وأسس الجمهورية الفرنسية الخامسة ورئيس فرنسا لاحقاً ووصفه كيسنجر بـ«استراتيجية الإرادة أو التصميم» (The Strategy of Will).
3- ريتشارد نيكسون Richard Nixon وهو الرئيس الوحيد في تاريخ أميركا الذي استقال من منصبه إثر فضيحة «ووترغيت»، لكنه في الفترة من 1969 إلى 1974 قاد الولايات المتحدة وأنهى التدخل الأميركي في فيتنام وجعل للسياسة الخارجية الأميركية موطئ قدم على المسرح العالمي، وقاد سياسة الوفاق مع الاتحاد السوفياتي، وسياسة الانفتاح تجاه الصين، وارتبط اسمه بـ«استراتيجية التوازن The Strategy of Equilibrium».
4- محمد أنور السادات Mohamed Anwar AlSadat، الزعيم المصري الذي صنع اتفاقية السلام وفتح الطريق أمام كل نماذج التسويات في الصراع العربي-الإسرائيلي حتى بعد رحيله بأربعين عاماً، وارتبط اسمه بـ«استراتيجية التجاوز» (The Strategy of Transcendence).
5- لي كوان يو Lee Kuan Yew، زعيم سنغافورة الذي حول جزيرة صغيرة فقيرة إلى واحدة من أنجح تجارب النمو في العالم، وهو رئيس وزراء سنغافورة الذي نجح في بناء هذه الدولة الصغيرة المستقطعة من ماليزيا وارتبط اسمه بـ«استراتيجية التفوق» حيث يصفه كيسنجر بـ«استراتيجية التفوق والامتياز». The Strategy of Excellence.
6- مارغريت تاتشر، Margaret Thatcher أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة التي خشيها الجميع، والتي مرت بأزمات كبرى مع أيرلندا الشمالية ونسجت خيوطاً من الصداقة مع الاتحاد السوفياتي، واستعادت جزر فوكلاند بالحرب، وكانت علاقتها بالملكة الراحلة إليزابيث الثانية متوترة، تعتبر تاتشر إحدى أهم قيادات التحول الكامل نحو اقتصاد السوق في العالم، وبرز دور تاتشر في عزمها على تغيير المجتمع البريطاني، وقد ارتبط اسمها بـ«استراتيجية الإيمان»، ويصفها هنري كيسنجر بـ«استراتيجية القناعة» The Strategy of Conviction.
في كل واحدة من هذه الدراسات الاستراتيجية يجلب كيسنجر الإدراك التاريخي والخبرة العامة والمعرفة الشخصية، حيث إنه شارك في العديد من الأحداث التي كان يصفها ويوضح كيف تمكن هؤلاء القادة، ليس من التعامل بنجاح مع الظروف التي يواجهونها فقط، ولكن تغيير التاريخ الذي يدور حولهم.
فجميع القادة الستة (كونراد اديناور، شارل ديغول، ريتشارد نيكسون، محمد أنور السادات، لي كوان يو، مارغريت تاتشر) الذين وصفهم كيسنجر أنهم كانوا قد نشأوا خارج النخبة الاجتماعية، وكانوا أطفالاً من الطبقة المتوسطة ومن أسر عادية. منحتهم هذه الخلفية القدرة على فهم الطريقة التي يرى فيها مواطنوهم العالم، وتم اختيارهم في مؤسسات تعليمية تعتمد على الجدارة، وقد تلقوا تعليماً منضبطاً ومتطلباً أعدهم نفسياً وفكرياً وثقافياً للعمل بفعالية على أعلى مستويات الحياة الوطنية والدولية، حيث يرى كيسينجر أنهم قد نجحوا في تحقيق أشياء عظيمة داخل دولهم أو خارجها، ويرى كيسنجر أن ما يجمع هؤلاء القادة أنهم يتمتعون بتقدير عميق للماضي وقدرة على تخيل المستقبل.
لكن الأمر الذي يقلق كيسنجر هو تآكل ثقافة «محو الأمية العميقة» وضعف قدرة مؤسسات النخبة على إعداد الأجيال الجديدة للقيادة.
ويختتم كيسينجر تأملاته حول النظام العالمي وحتمية القيادة اليوم، حيث يرى أن تأثير القيادة قد تراجع على المستوى العالمي، وأصبحت القيادة وظيفة روتينية مثل الكثير من الوظائف الإدارية الاعتيادية، ويؤمن أن البشرية في الوقت الحاضر بأمس الحاجة إلى قيادة عظيمة، حيث أصبحت هذه الحاجة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، بل يرى أن غياب القيادات المميزة، هو ما دفع إلى ما وصلت إليه البشرية من اضطرابات وأزمات، ويخشى عراب السياسة الأميركية أن تتعرض الحضارة للخطر نتيجة لغياب القيادات المتميزة.
وكي يكسب القادة دعم شعوبهم وتأييدها يجب أن يكون لديهم فريق من المستشارين يستطيع أن يبلور الأفكار والرؤى والأهداف الاستراتيجية، ويشرحها لعامة الشعب وأصحاب المصالح، هذا الفريق الديناميكي من المستشارين هو المكمل لقدرات القيادة، فهو يخفف من معضلات اتخاذ القرار خلال الفترات الانتقالية، خصوصاً عندما تفقد القيم والمؤسسات أهميتها في المجتمع، وتكون الخطوط العريضة للمستقبل موضع جدل عام، حيث يطلب من القادة التفكير بشكل إبداعي وتشخيصي حول مصادر رفاهية المجتمع والأهداف التي يجب الالتزام بها، والاحتمالات التي يجب رفضها مهما كانت مغرية.
والدرس المستفاد من كتاب القيادة لكيسنجر هو، هل يتوافر لدى السلطة التنفيذية الفريق الاستشاري الديناميكي المكمل لقدرات القيادات في الجهاز الحكومي في دولة الكويت؟! ودمتم سالمين.