الأوروبيون وموقفهم من الديموقراطية الأميركية
في بعض الأحيان، تصبح الأمور أكثر وضوحاً للبعيد أكثر من القريب، ولذلك يبدو أن أصدقاء الولايات المتحدة في أوروبا أكثر وعياً بالمخاطر التي تحيط بانتخاباتنا منا نحن الأميركيين، وهم يدركون الخطر الذي يهدد التحالفات طويلة الأمد بين الدول الديموقراطية والإجماع السياسي بينها الذي يتجاوز الخطوط الأيديولوجية في مقاومة التطرف والدوافع الاستبدادية. إن قول هذا، بالطبع، يضع الآخرين يتهموننا بالحزبية لأن الرئيس بايدن يجعل الحفاظ على الديموقراطية قضية مركزية في انتخابات عام 2024، كما أكد ذلك خلال رحلته إلى أوروبا الأسبوع الماضي لإحياء ذكرى يوم الإنزال، وفي الوقت نفسه، يكرر دونالد ترامب إشادته بصلاحية الأنظمة القمعية في روسيا والصين والمجر وحتى كوريا الشمالية، وقد قال أواخر الشهر الماضي إن قادة هذه الدول الآن «في قمة مجدهم، سواء أعجبك ذلك أم لا».
ولكن لا ينبغي لنا أن ننظر إلى الأمر على أنه حزبي عندما أشرح القضية المطروحة في الانتخابات، وفي محادثاتي مع الأوروبيين على مدى الأسابيع القليلة الماضية، أذهلني أن الكثيرين، من مختلف الميولات السياسية، كانوا يدركون بشدة كيف سيكون العالم ويفكرون في حجم المشاكل التي ستواجهها الديموقراطية إذا فاز ترامب، وإذا ما استثنينا أنصار أحزاب اليمين المتطرف، هناك عدد قليل من أنصار ترامب في أوروبا. هناك سبب آخر لحساسية أوروبا النسبية تجاه مسألة الديموقراطية، فالدكتاتورية هي واقع حديث نسبيًّا هناك بطريقة لم تكن موجودة من قبل في الولايات المتحدة، ولنتأمل هنا تجربة الفاشية والنازية في ثلاثينيات وأوائل أربعينيات القرن العشرين، وانظر أيضًا إلى التحول الحديث نسبيًا إلى الديموقراطية في إسبانيا والبرتغال في السبعينيات أو في أوروبا الوسطى والشرقية بعد سقوط جدار برلين عام 1989 ونهاية الحرب العالمية الثانية ونهاية الاحتلال السوفياتي. إن نظرتي حول الاختيارات السياسية في هذه اللحظة لا تأتي من فيلسوف سياسي بل من المغني الشعبي جوني ميتشل، الذي أعلن قائلاً: «إنك لا تعرف ما الذي تملكه إلا بعد أن تفقده»، وفي أوروبا، أصبحت تكلفة خسارة الديموقراطية بمنزلة ذكرى حية. خوفي هو أن الديموقراطية ليست حية بما فيه الكفاية، إن الأوروبيين والأميركيين على حد سواء يفقدون تقديرهم للديموقراطية، لأنها أصبحت ثوباً قديماً، أو لأن الحكومات الديموقراطية يُنظَر إليها باعتبارها فاشلة في حل المشاكل، أو لأن الساسة يُنظَر إليهم على أنهم يخدمون مصالح نخبة أو أخرى.
وفي الولايات المتحدة، وجدت مؤسسة غالوب أن الثقة في الطريقة التي تعمل بها الديموقراطية انخفضت من 61 في المئة في عام 1984 إلى 28 في المئة أواخر عام 2023، وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة إبسوس في الوقت نفسه تقريبا أن الأغلبية أو التعددية تعلن عدم رضاها عن الطريقة التي تعمل بها الديموقراطية في كل من بولندا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وكرواتيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، ومن بين الدول التي شملها الاستطلاع، أعربت الأغلبية في السويد فقط عن رضاها عن الديموقراطية. وبالتالي، قد يبحث أبطال الديموقراطية خارج الدول الغنية في الشمال والغرب عما يذكرنا بقدرة الديموقراطية على منح الناخبين فرصاً للتعبير عن رغبتهم في التغيير، والتحدث ضد الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي، ومحاسبة الحكومات، والدفاع عن الديموقراطية نفسها. لقد قدمت الأسابيع الأخيرة مثاليـْن بارزين يوضحان قيمة الانتخابات الحرة، وكيف يتمكن أولئك الذين لا يملكون الثروة أو الامتيازات من إبراز أصواتهم:
الأول في الهند، إذ حرم الناخبون حزب (بهاراتيا جاناتا) الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي من الحصول على الأغلبية بعد أن توقع مودي، ومعظم استطلاعات الرأي، أنه سيحقق فوزاً ساحقاً، وحدث ذلك بسبب الناخبين الهنود الفقراء الذين شعروا بأنهم مستبعدون من ازدهار البلاد، ومن أولئك الذين يخشون أن تؤدي قومية مودي الهندوسية إلى تغييرات دستورية تحرم المسلمين وكذلك الهندوس من الطبقة الدنيا.
والثاني في جنوب إفريقيا، حيث خسر المؤتمر الوطني الإفريقي أغلبيته للمرة الأولى منذ إجراء انتخابات شاملة في عام 1994 بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، ورد الرئيس سيريل رامافوسا يوم الخميس على النتائج بالدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
في حد ذاتها، لا تكفي هذه الانتخابات ولا المخاوف الأوروبية بشأن رئاسة ترامب لتحويل الديموقراطية إلى قضية تصويت هذا العام، ولكن من الأفضل للأميركيين أن ينتبهوا إلى الكيفية التي قد يفسر بها أصدقاء الديموقراطية في مختلف أنحاء العالم الاختيار الذي نتخذه، إنهم يحذروننا من أن مغازلة الاستبداد لا تنتهي أبدًا بخير.
* إي جيه ديون جونيور كاتب في صحيفة «واشنطن بوست»، وهو أستاذ في كلية ماكورت للسياسة العامة بجامعة جورج تاون، وكبير الزملاء في معهد بروكينغز.