هل تتخلى أميركا عن «أوروبا القديمة» لمصلحة «أوروبا الجديدة» لمواجهة الصين؟

نشر في 04-12-2022
آخر تحديث 03-12-2022 | 21:45
الرئيس الصيني مستقبلاً شارل ميشال في بكين قبل يومين (رويترز)
الرئيس الصيني مستقبلاً شارل ميشال في بكين قبل يومين (رويترز)
تعتبر زيارة رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، للصين أخيراً، من وجهة نظر الباحث الأميركي سيث كروبسي، دلالة على أن هناك تياراً قلقاً إزاء موقف أوروبا بالنسبة إلى التنافس الأورو ـ آسيوي.

فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رغم ثبات موقفه في الشهور الأخيرة، اختلف مرارا وتكرارا مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ونصح بأن يكون هناك نوع من المصالحة مع روسيا. من ناحية أخرى، يعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس، صوتاً دائماً للمصالحة أيضاً، بما في ذلك الدعوة إلى حرية نقل البضائع بين دول البلطيق الثلاث الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبين روسيا.

ويضيف كروبسي، مؤسس ورئيس معهد يوركتاون للدفاع، نائب وكيل وزارة البحرية الأميركية الأسبق، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية، أن تصريحات رئيس وزراء بريطانيا السابق، بوريس جونسون، بأن فرنسا وألمانيا لا تؤمنان جديا بالتهديد الروسي، بل أن ألمانيا تحديدا تأمل بأن تنتهى الحرب في أوكرانيا بانتصار سريع لروسيا، للتخفيف من الأضرار الاقتصادية، تتلاءم مع هذا النمط من السلوك الواسع النطاق. وأشار كروبسي إلى أنه من الواضح بصورة متزايدة أن الدول الأوروبية الغربية ما زالت غير مستعدة للمشاركة في تنافس أوروبي ـ آسيوي مطول، ومن ثم فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تدرس كيفية الاستفادة من الأهمية الاستراتيجية الأوروبية بأكبر قدر من الفعالية، وبحث ما إذا كانت «أوروبا الجديدة» ستكون شريكا أكثر فعالية على المدى الطويل من الدول التقليدية في «أوروبا القديمة». وأكد أن مراوغة أوروبا الغربية وعدم وضوحها بالنسبة إلى سياسة الصين يُعدان تتويجا لاتجاهات جغرافية سياسية طويلة المدى. وفي حقيقة الأمر، فإن سياسات فرنسا وألمانيا، وبدرجة أقل بريطانيا، تجاه الصين نابعة من خيارات استراتيجية واضحة بالمثل في سياسة أوروبا تجاه روسيا. فهي تتبع مجموعة من الافتراضات الاستراتيجية الخاطئة بدرجة كبيرة أسهمت في غزو روسيا لأوكرانيا وفي التوسع الصيني الكبير.



وأشار إلى أن السعي الفرنسي ـ الألماني للاستقلالية لم ينته مع نهاية الحرب الباردة. فالدولتان استغلتا قوتهما الاقتصادية والسياسية لتفادي الولايات المتحدة. ولم تكن الخلافات بين برلين وباريس ولندن وواشنطن بشأن يوغوسلافيا والعراق تتعلق بسياسة موضوعية، ولكن كانت بشأن تأكيد وضعهما السياسي. وأكد كروبسي أن «أوروبا القديمة» سارت في طريق العولمة، ليس بسبب أحلام ديموقراطية مؤجلة، ولكن من أجل أهداف سياسية تقليدية. فقد كانت العولمة طريقا نحو الاستقلالية، فمن خلال تقسيم القوة الاقتصادية وإضعاف موقف واشنطن، يمكن للدول الأوروبية أن تجد لها دورا كدول مهمة استراتيجيا. بدوره، تغيّر التعريف المعروف للاستراتيجية، فلم تعد هناك حاجة إلى القدرات العسكرية التقليدية، حيث أثبت ليل الحرب الباردة الطويل أن القدرات العسكرية التقليدية عديمة الجدوى. وبالنسبة إلى ألمانيا بوجه خاص كانت «سياسة التقارب» هي التي أنهت الكابوس، وليست الأسلحة النووية أو التقليدية.

ومع ذلك، فإنه رغم هذا التفكير الاستراتيجي الخاطئ، لا تستطيع الولايات المتحدة التخلي عن أوروبا ببساطة. فهناك قدر كاف من القوة الاقتصادية، والرصيد السياسي، والإمكانات الفنية، والمزايا الجغرافية في القارة الأوروبية ما يبرهن بصورة غير مباشرة على أنها مهمة بالنسبة لأي تنافس صيني ـ أميركي.

ويقول كروبسي إن أوروبا الجديدة واعدة بدرجة كبيرة للغاية، اذ أن دول أوروبا الشرقية تدرك مخاطر الحرب الروسية ـ الأوكرانية، كما تدرك بصورة متزايدة التهديد الذي تمثّله الصين للنظام الأورو- آسيوي. وتضع دول البلطيق بحذر الأساس للمزيد من الاتصال الدبلوماسي والتعاون الاقتصادي مع تايوان. ووقعت بولندا عدة صفقات عسكرية كبيرة مع كوريا الجنوبية.

وإذا ثبتت صحة التقاريرعن أن هناك تعاونا عسكريا مباشرا بين أوكرانيا وكوريا الجنوبية، فستكون الولايات المتحدة هي الوسيط . وأوضح كروبسي أنه لذلك يتعين على الولايات المتحدة بحث السبل التي يمكنها بها دمج أوروبا الشرقية في سياستها الخاصة بالصين عبر تسريع التعاون العسكري ـ الصناعي وتشجيعها على التعاون مع الدول الآسيوية التي توفر المعدات العسكرية، ما يوفر لحلفاء أميركا الآسيويين الاستقرار في الإنتاج المطلوب لتوسيع نطاق الإمكانات، وبالتالي إيجاد نظام دفاعي ـ صناعي أوروآسيوي مشروع لمواجهة الجيش الصيني.

ويختم كروبسي بأنه ليس هناك أي شىء يدفع أوروبا الغربية للانصياع لرغبات واشنطن، ولا حتى الحقائق التي تتكشف في أوكرانيا، ومن ثم، يتعين على السياسة الأميركية أن تتكيّف.

back to top