على وقع التوتر المتنامي بين حكومة الدولة العبرية وإدارة الرئيس الأميركي الديموقراطي جو بايدن التي حشدت دعماً دبلوماسياً كبيراً لخطة طرحها البيت الأبيض أواخر مايو الماضي لوقف إطلاق النار بغزة، تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، عن تصريحات أدلى بها، أمس الأول، وأثارت زوبعة واسعة بعد أن فهم منها أنه يتملص من تطبيق مقترح بايدن.

وذكر مكتب رئيس الحكومة اليمينية المتشددة، أمس، أن «حماس» هي التي ترفض الصفقة وليس إسرائيل، وأن نتنياهو أوضح أن «الجيش لن يترك غزة إلا بعد إعادة جميع الرهائن» وعددهم نحو 120.

Ad

وادعى نتنياهو بأن موقفه «ليس سراً» لكن كانت هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها علناً ​​عن «صفقة جزئية» أو يشير إلى أنه لم يكن ينوي تنفيذ المراحل الثلاث في الخطة التي أعلن عنها بايدن بوصفها مقترحاً إسرائيلياً.

وأوضح مكتب رئيس الوزراء في بيانه أن «المرحلة المكثفة من الحرب على حماس تقترب من نهايتها بمعركة رفح» في غضون شهر، مشيراً إلى أن انتهاء القتال العنيف ضد الحركة الإسلامية لا يعني نهاية الحرب التي ستتواصل على شكل هجمات مركزة للقضاء على قيادات وعناصر «حماس».

وجاء هذا التعديل بعد البلبلة التي أثارتها تصريحات نتنياهو أثناء مقابلة مع القناة الـ14 العبرية، ليل الأحد ـ الاثنين، والتي كشف فيها عن أنه يوافق على صفقة تبادل جزئية يتم في إطارها تحرير عدد من المختطفين مقابل استمرار الحرب التي حصدت أرواح 37 ألفاً و626 فلسطينياً أغلبهم من الأطفال والنساء حتى الآن.

وقال نتنياهو في المقابلة: «مستعد لصفقة جزئية نعيد بها بعض المختطفين لكن سنستأنف الحرب بعد الهدنة لاستكمال أهدافها» المتمثلة في القضاء على «حماس» واستبدال حكمها للقطاع المحاصر وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين «الأحياء والأموات».

وأشار إلى أن «إسرائيل في حرب أمام 7 جبهات هي حماس وحزب الله وجماعة الحوثي والميليشيات العراقية والسورية والضفة الغربية وإيران».

وتابع رئيس الوزراء: «لست مستعداً لإبقاء الوضع على حاله في الشمال لكن لا يمكنني الخوض في تفاصيل خططنا»، لافتاً إلى أن انتهاء المعارك المكثفة في غزة سيسمح بنشر مزيد من القوات عند الحدود الشمالية» مع «حزب الله».

جاء ذلك فيما قال وزير الدفاع يؤاف غالانت خلال لقائه مبعوث بايدن المكلف باجراء مفاوضات حول جبهة جنوب لبنان آموس هوكشتاين بواشنطن أن الانتقال إلى المرحلة الثّالثة من الحرب في غزة سيكون له تأثير على جميع الجبهات، وأن إسرائيل تستعد لكلّ الاحتمالات العسكريّة والسياسيّة.

غضب وانتقادات

وأثار نتنياهو غضب عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة. وفُسّرت أقواله بأنه لن تكون هناك صفقة، فيما اعتبر مسؤولون إسرائيليون بأنه «منح هدية لحماس»، ذلك أن إسرائيل ترفض الصفقة التي اقترحتها، في وقت حاولت طوال الفترة الماضية توجيه أصابع الاتهام نحو الحركة.

ورأى عضو الكنيست الوزير السابق بحكومة الحرب المصغرة غادي آيزنكوت، أن تصريح نتنياهو تناقض قرار «كابينيت الحرب».

كما وجه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، انتقادات لجانب آخر من تصريحات نتنياهو اعتبار فيها الأخير أن إعادة الاستيطان اليهودي في غزة غير واقعي، رغم عدم استبعاده فرض الحكم العسكري على القطاع.

وتزامنت الانتقادات الداخلية مع تلقي نتنياهو «رسائل تحذير» من لجنة قضائية تحقق في مخالفات بشأن قضية شراء غواصات ألمانية، فيما أوعزت وزارة الخارجية الإسرائيلية لسبعة مسؤولين بينهم رئيس الحكومة بالتشاور معها قبل سفرهم في المستقبل إلى كوريا الجنوبية تحسباً من اعتقالهم ومحاكمتهم فيها على إثر رفع قضايا محلية ضد جرائم إسرائيلية محتملة بالحرب على غزة.

وفي وقت مثلت تصريحات نتنياهو تناقضاً واضحاً مع تصريحات مسؤولي إدارة بايدن الذين قالوا في الأيام الأخيرة إنه ومساعديه أكدوا دعمهم للاقتراح الذي حظي بتأييد مجلس الأمن الدولي، امتنع البيت الأبيض عن التعليق على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي «السياسية»، مؤكداً تطلعه إلى إجراء محادثات بناءة مع وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت الذي يزور واشنطن حالياً.

وجاء ذلك في وقت أوضح مسؤول أميركي مطلع أن إدارة بايدن ألغت في الأشهر الأخيرة إجراءات طوارئ كانت مطبقة لتسريع إرسال أسلحة وذخائر إلى إسرائيل في بداية حرب غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي، مع انخفاض كثافة القتال الإسرائيلي وتزايد مخاوف واشنطن من اندلاع حرب إقليمية أوسع.

ويساعد هذا الكشف في تفسير الادعاء الذي بدأ نتنياهو في إطلاقه الأسبوع الماضي بأن الولايات المتحدة تعلق إرسال شحنات الأسلحة إلى إسرائيل وتحرمها من تحقيق النصر الضروري على «حماس» و«حزب الله».

وأشار المسؤول إلى أن الوتيرة الطبيعية لا تعني المعدل السريع الذي سمحت به واشنطن خلال الأشهر الأولى من الحرب عبر تجاوز الأنظمة الروتينية لتصاريح الإرسال بما في ذلك تفويضات الكونغرس المختلفة.

وفي وقت سابق، نفت الولايات المتحدة هذا التأكيد، موضحة أنها علقت فقط ارسال شحنة واحدة من القنابل الثقيلة التي كانت تخشى أن تستخدمها إسرائيل في مدينة رفح المكتظة بالسكان.

وذكرت تقارير عبرية أمس الأول أنه خلال الجزء الأول من الحرب، تم تسليم حوالي 240 شحنة أسلحة إلى إسرائيل. وقالت إن هذا العدد انخفض إلى ما يقرب من 120 شحنة في الأشهر الأخيرة.

تأكيد وانتكاسة

على الجهة المقابلة، أكدت «حماس» أن إصرارها على أن يتضمن أي اتفاق تأكيداً واضحاً على وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب كامل من القطاع، كان «ضرورة لابد منها، لقطع الطريق على محاولات نتنياهو المراوغة والخداع وإدامة العدوان وحرب الإبادة ضد شعبنا».

وطالبت حماس الإدارة الأميركية باتخاذ قرار واضح، «بوقف دعمها الإبادة الشاملة التي يتعرض لها شعبنا في القطاع، ورفع الغطاء عن الاحتلال وجرائمه التي تجعل من واشنطن شريكاً أساسياً في ارتكابها».

من جهة ثانية، تعرض مسار المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» الذي تستضيفه العاصمة الصينية إلى انتكاسة، إذ كشف مسؤولون من أكبر حركتين فلسطينيتين لـ«رويترز» أن محادثات لم الشمل بين الجانبين المتنافسين التي كان من المقرر عقدها في بكين منتصف يونيو الجاري تأجلت دون تحديد موعد جديد.

وفي أعقاب استضافة اجتماع للحركتين في أبريل الماضي قالت الصين إن «فتح» التي يقودها الرئيس محمود عباس و«حماس» عبرتا عن رغبتهما في السعي لتحقيق مصالحة.