إنه عصر الأكاذيب
ماذا سيكون مصير مسيلمة الكذاب في هذا الزمن؟!
فلو ظهر من يدعي النبوة في أيامنا هذه لما التفت إليه أحد، ولما استطاع منافسة جهابذة الكذب المُنمق من أبناء هذا الزمن.
أي نعم... لقد تمكن مسيلمة في عصره من أن يُثير انتباه قلة ممن كانوا يراهنون ويزايدون وهم يعلمون بكذب صاحبهم، ولكن مساحة الأكاذيب في هذه الأيام تفوق كل الادعاءات التاريخية الكاذبة.
***فأكاذيب هذا العصر أصبح لها أبطال لا يستطيع مسيلمة منافستهم فيها مهما أوتي من الخبث والذكاء... لأن الكذب في الزمن الراهن صار علماً يُدرس في الأكاديميات وله فروع وأساتذة، وتخرج فيه الملايين، وله الكثير من الأتباع والمناصرين، وله اتجاهات شتى، حتى صارت الحقائق غريبة كغرابة أبسط البديهات الواضحة للعيان، وقد خُصصت للكذب جوائز، وتقام له مهرجانات، ويمنح أبطاله «الدكتوراهات» الفخرية.
***وأنواع الكذب وتخصصاته وفنونه غدت مشابهة للمدارس الأدبية والفكرية، فهناك كذب السهل الممتنع الذي ينصح أصحابه ممن يعتنقونه بالصبر للحصول على مآربهم، ومدرسة أخرى ترفع شعار اكذب اكذب اكذب إلى أن يصدقك الناس، وهذه المدرسة هي الأكثر ممارسة، وخصوصاً في الإعلام، والغريب في هذه المدرسة أن معتنقيها يصلون فيها إلى مرحلة تصديق أكاذيبهم.
***ولما أراد البعض أن يُعطي للكذب شرعية جعل يوم الفاتح من أبريل يوماً يُسمح فيه للإنسان بأن يكذب على الإنسان، ويعلن كذبه صراحةً، بينما يكون الكذب في بقية الأيام سرياً وخفياً وتحت عناوين كثيرة، كالكذب الأبيض، وهذا ما يشير صراحةً إلى أن هناك كذباً أسود.
***ولست أريد أن آتي على تفاصيل ما يفعله الكذب في حياة البشر، وكيف يتم استغلاله في السياسة والبيع والشراء والحياة الاجتماعية وبين الكبار والصغار، وإنما أترك لكل واحدٍ من القراء أن يفكر، كم هي الأثمان التي دفعها في حياته بسبب ما تعرض له من أكاذيب؟!
***وأكتفي في نهاية هذا المقال بالأكاذيب التي يتعمدها قادة بعض الدول الكبرى بافترائهم على المقاومة الفلسطينية، عندما يصرّحون بأنها تذبح الأطفال في غزة، وهم يعلمون حق العلم من ذا الذي يذبح الأطفال، ولكنهم يتسترون - كذباً - على أكبر كذّابٍ فوق هذا الكوكب وهو (نتنياهو).