خرجت صورة المهاجر الإيطالي جوردان بارديلا كظاهرة بارزة في المشهد السياسي الفرنسي والقادم كرئيس للوزراء ممثلاً لأقصى اليمين المتطرف، يقابلها صورة المحامية الفرنسية من أصل فلسطيني والتي حازت مقعداً في البرلمان الأوروبي والممثلة لحزب «فرنسا الأبية» اليساري، هذان الوجهان ربما يختصران الحالة السياسية الفرنسية على ما هي عليه الآن من انقسامات وصراعات.

المفارقة في هذين الاسمين أنهما في عداد المهاجرين الجدد إلى فرنسا، «ريما» أصولها فلسطينية عاشت في سورية وهاجرت إلى باريس وهي طفلة، وبارديلا، أصوله إيطالية عاش في حي فقير بباريس، ترك الدراسة واتجه للعمل السياسي.

Ad

قد نتساءل هنا: لمن ستذهب أصوات الناخبين من الجاليتين العربية والإسلامية؟ وهل سيحصل الرئيس ماكرون وحزبه على الأصوات نفسها التي أوصلته إلى قصر الإليزيه في الانتخابات الرئاسية عام 2017؟

الهجرة من الملفات المطروحة في مواسم كهذه والأكثر جدلاً بين التيارات والأحزاب السياسية المتنافسة، ووفقاً للإحصاءات الرسمية فإن عدد سكان فرنسا من أصول مهاجرة يبلغ نحو 12 مليون نسمة وأعداد المسلمين تقدر بـ6 ملايين شخص أي ما نسبته 10% من السكان.

اليمين المتطرف دائما يرفع شعار محاربة الهجرة والمهاجرين، وهنا المفارقة كيف لمهاجر إيطالي يتربع على عرش أكبر حزب يميني متطرف عمره لا يتعدى الـ28 سنة، يطرح شعارات متعصبة وفيها تمييز واضح بالهوية، وهو ما ينطبق عليه شخصياً، وإذا ما راجعنا مواقف هذا الحزب المصطف بأقصى اليمن تجاه الهجرة، نقرأ لأحد القياديين المهووسين دعوته لإنشاء وزارة للهجرة العكسية مهمتها طرد الأجانب غير المرغوب فيهم.

في حين أن اليسار بقيادة حزب «فرنسا الأبية» ومؤسسه جان لوك ميلانشون، يتعاملون مع ملف الهجرة ببعد إنساني ووطني وأخلاقي وهو ما أكسبهم أصوات المسلمين بشكل عام، إضافة إلى موقفهم من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والحرب في غزة.

المحللون السياسيون يعولون كثيراً على أصوات الجالية العربية والإسلامية بناءً على عدة عوامل، منها حجم السكان المسلمين المؤهلين للتصويت ونسبة مشاركتهم وتفضيلاتهم السياسية، علماً أن المجتمع المسلم والعربي في فرنسا غير متجانس وإن كانت قضايا عدة تجمعهم، مثل الهجرة وخدمات الصحة والتعليم والحريات الدينية.

تاريخياً تميل الجالية العربية والإسلامية إلى دعم الأحزاب اليسارية مثل الحزب الاشتراكي والآن حزب «فرنسا الأبية» بسبب مواقفهم من محاربة التمييز والعدالة الاجتماعية وسياسات الاندماج.

الجالية الإسلامية تعيش حالة خوف وقلق من وصول اليمين المتطرف وحصده أرقاما قياسية في البرلمان الأوروبي وتضع يدها على قلبها يوم 30 يونيو الجاري موعد الانتخابات التشريعية، هذا التخوف مرده، إذا وصل «ابن الهجرة الإيطالي» إلى رئاسة الوزراء في هذه الانتخابات فقد يكونون هم أول ضحاياه ويتحولون إلى كبش فداء نظراً لأجندة اليمين المتطرف التي أعدوها وفي طليعتها قوانين معادية للمسلمين وتقييد حرياتهم نظراً لمجاهرة هذا الحزب بعنصريته تجاه المسلمين بعد أن خرجت مجموعات إلى الشوارع وهي تردد «المسلمون خارج أوروبا»؟

الواقع أن صورة المسلمين والعرب أصابها التشويه والمغالطات لدى العقل الفرنسي، فغالباً ما يتم الخلط بين الإسلام كدين وبين التطرف والإرهاب، وما يعرف بالإسلاموفوبيا.