بعد التحرير، دعا سمو الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، مجموعة من المواطنين إلى قصر الشعب وتحدث معهم عدة مرات، وكان الحديث يدور حول موضوع واحد، كيف كان الكويتيون متحدين أثناء فترة الاحتلال، مجمعين على حب الكويت والنظام والتطلع إلى التحرير، لا فرق بين كويتي جنسية أولى أو ثانية، لذا رأى سموه أنه من الأفضل توحيد الكويتيين في الحقوق والواجبات، دون تمييز بينهم، وقد يترتب على ذلك، إعطاء المتجنسين حق الانتخاب والترشح لمجالس الأمة القادمة.
وكان سموه، رحمه الله، يتحدث بتعقل وحكمة كما كان معهوداً عنه دائماً، وليس كما يدّعي البعض أن موقفه كان يغلب عليه العاطفة، ورحب الحضور بالفكرة، وشجعه الكثير منهم على اتخاذ مثل هذا القرار الصائب، ولكن بعد دراسته دراسة وافية، وصياغته صياغة قانونية محكمة، وعرضه على مجلس الأمة القادم.
فهذا ما تم إنجازه بالفعل، حيث درس الموضوع دراسة جيدة، وكذلك تمت صياغته، وبعد عرضه على المجلس، حاز غالبية ساحقة من أعضاء المجلس، إذ لم يعارضه سوى عضو واحد، وبهذه الخطوات المتبعة، تكون الدولة قد راعت النص الدستوري الذي ينص على أن الدستور لا يجوز تعديله، إلا لتحقيق مزيد من الحريات والعدالة بين المواطنين، وبعد موافقة الحكومة والمجلس.
ومن هذا المنطلق ارتفع عدد الناخبين في الدولة، كما تضاعف العدد مرة أخرى بعد نيل المرأة حق الترشح والانتخاب، ومن المستغرب أن نسمع اليوم أصواتا تطالب بحرمان المتجنسين من حق الترشح والانتخاب بحجة الحفاظ على الهوية الوطنية، أبعد أن حصلوا عليه قبل ثلاثين عاما نطالب اليوم بحرمانهم من ذلك الحق مرة أخرى؟ من المستحيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وعلى من يطالب بذلك أن يفكر بردة الفعل لمثل هذا القرار، وليس من الصحيح الاستشهاد بالآية التي تقول: «لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا». (الحديد 10)، وندعي أن الإسلام أقر التمييز بين المسلمين.
لأن الآية الكريمة تشير إلى فترة محددة، وهي فترة السابقين في الإسلام، أي الذين آمنوا وأنفقوا وجاهدوا قبل فتح مكة أو صلح الحديبية، وهي فترة تاريخية لا تتكرر، ولا يرثها الأبناء والأحفاد، عن الآباء والجدود، إذ كان الإسلام ضعيفا، والتمييز بينهم في الثواب عند الله، أما بالنسبة إلى الحياة الدنيا فالمسلمون متساوون في الحقوق والواجبات، حيث كثرت النصوص التي تقر بذلك، مثل ««الناس سواسية كأسنان المشط الواحد، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى».
ومع اختلافنا في الرأي، مع من يطالب بالتمييز بين من سكن الكويت قبل النفط، ومن جاء بعد ذلك، إلا أننا نقدر أصحاب هذا الرأي، لإيماننا أنهم اتخذوا هذا الرأي حبا في الوطن وتخوفا من ضياع الهوية الوطنية، وبإمكاننا الحفاظ على الهوية الوطنية، من خلال الكشف عن المزورين والمزدوحين ومن حصل على الجنسية بصورة غير قانونية، وهذا ما تقوم به الحكومة، ونرجو الله أن يوفقها إلى ذلك.