من يتذكر حقبة الثمانينيات يعلم تماماً أن أزمة الكهرباء ليست بجديدة البتة على دولة الكويت، ومن كان واعياً لأحداث الأسبوع المنصرم يعلم أيضًا أن الحكومة ممثلة بوزارة الكهرباء والماء (والطاقة المتجددة!!!) لم تستطع إدارة الأزمة التي مرت بها البلاد بكفاءة فنية ولا بامتصاص جام غضب المواطنين (أو كما أسمتهم في بيانها الرسمي الغريب العملاء) ولا بواجهة إعلامية مشرفة أمام الشارع الكويتي ولا حتى الرأي العام الإقليمي.
نعم، فالأخطاء والمشاكل واردة في كل شيء، ولابد من الخطأ لكل من يعمل بجد واجتهاد، ولكن ليس في وقت إعادة إعمار وإعادة كسب الثقة والرأي العام تجاهك، فهذا ليس إلا انتحارا سياسيا ليس إلا، وعليه فالمطالبة أن توضع استقالة وزير الكهرباء وقياداته، كما كانت المطالبة بالمثل لوزير التربية ووزيرة الشؤون ووزيرة البلدية وقياداتهم، هي أقل تصرف يتم لتحمل المسؤولية السياسية أمام الرأي العام من جانب وأمام سمو رئيس الوزراء من جانب آخر.
هل كل هذا يعدّ من المطالب الشرسة والحادة المبالغ بها؟!! بالطبع لا، رغم أن المشاكل في القطاعات كافة هي عبارة عن إرث وتراكمات لسنوات طوال نخرت الجسد الإداري في الدولة، ولكن مسؤولية القيادات الحالية مع رواتبهم الاستثنائية وامتيازاتهم المالية والعينية وفخامة مكاتبهم الوظيفية، تكمن في تلافي المشاكل وإيجاد الحلول مع العمل على إصلاح ما دمره الدهر.
عوداً إلى أزمة الكهرباء التي مرت بها البلاد منذ أيام وتوالي الأخبار المتضاربة على المواطنين الكرام يوم الأربعاء الموافق 19 يونيو ممن اشتركوا والتزموا بالتعليمات ولسنوات طويلة تحت راية احترام الذات والدولة والقانون (وهكذا وجب أن يتم تسميتهم في البيانات)، ومن قطع مبرمج غير معلن عنه، وتطمينات قبيلها بأن الطاقة موفورة في البلاد، وإعلان عن خروج مولدات خارج الخدمة على يومين متتالين لتغذية مناطق متفرقة!! ويبقى السؤال الأزلي الملح هنا: من يدافع عن تخبطات كهذه؟!!
أتفهم أن الحالة في الشارع السياسي الكويتي استثنائية، كما أتفهم أن بعض الناس يصب جام غضبه على السلطة التشريعية (السابقة والمعلقة حاليا) من باب (فش الخلء) أو حتى (غشامة) و(غشاوة) أغشت الأعين، ولكن ألم يدرك هؤلاء الناس أن الأزمة حكومية وفي صلب قطاعها الطاقي؟!! ألا يدرك هؤلاء أن حب الوطن لا يعني الدفاع عن كل خطأ حكومي؟!! بل هذا، على العكس تماما، يكون تخريباً ودفاعاً عن الخطأ ليس إلا؟!
حب الوطن الحقيقي وارتفاع (هرمون الوطنية الزائف) لدى بعضهم يجب أن يرتبط بقول الحق والتجاوز وإيجاد العذر للمجتهد فقط لا للمتخبط، وأن يدرك من يدافع عن الأخطاء الحكومية أن هناك فرقاً بين قيادات كفؤة تتفادى الأزمات قبل وقوعها، وبين (المطبلين) ممن يتمنون أن يكونوا في الجانب المضيء في الإعلام فقط.
كما أني متأكد في واقع الأمر وكما ظهر وسيظهر لنا في الإعلام قيادات سابقة مرفهة مرتاحة، تنظر و(تتفلسف) وتلقي اللوم على هذه الجهة أو تلك، فأبشرهم بأن الشارع الكويتي واعٍ وفاهم ولا يمر عليه أمور كهذه، لا تسمن ولا تغني من جوع.
ويبقى التساؤل الأزلي هنا مما مررنا به في غضون الأيام الماضية: من المسؤول عن تصريحات وزارة الكهرباء، والخسائر في قطاعات الزراعة والألبان المعلنة، وروع وخوف الناس والبلبلة في الشارع وتوقف أجهزة التنفس الصناعي في البيوت وبقاء الناس في المصاعد معلقة ما بين السماء والأرض؟!! كما نتساءل عن النبرة الغريبة في تحميل المواطن (أو العميل كما أسمته الوزارة) وزر ما حدث دون النظر إلى غياب التوسع في الإنتاج الطاقي ولا حتى مراعاة مسمى «الطاقة المتجددة» في مسمى الوزارة؟!!
اتقوا الله في الشعب، فالشعب الكويتي لا مثيل له في العالم، والكهرباء في الواقع سلعة محتكرة للدولة لا مساومة عليها من مبدأ الإنسانية قبل أي شيء آخر.
على الهامش:
الرد على السؤال التقليدي الاستنكاري بأن دولة نفطية تنقطع عنها الكهرباء في أوج الصيف؟! يكون ببساطة يا سيدي، أولم تر حال فنزويلا والعراق؟!