بعد إصدار المحكمة الاتحادية العليا العراقية عدة أحكام خلافية خلال الفترة الماضية، فاجأت محكمة التمييز الأوساط بقرار غير مسبوق يستهدف تنظيم صلاحيات تلك المحكمة، ويفتح الباب لإمكانية إلغاء قرارات سابقة لها، ومن ضمنها قرارها المثير للجدل بشأن إلغاء اتفاقية الملاحة في خورعبدالله، في وقت يؤكد خبراء وقانونيون ومراقبون للشأن السياسي أن قرارات «الاتحادية» باتت تخضع، إلى حد كبير، للأمزجة السياسية.

وقال هؤلاء الخبراء إن «الاتحادية» تجاوزت دورها مراراً وتكراراً، وأبسط مثال على ذلك قرار عزل رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وإلغاء نظام الكوتا في قانون الانتخابات بإقليم كردستان، في حين فشلت جميع الحكومات في إقرار قانون ينظم عملها.

Ad

وفي الربع الأخير من العام الماضي، نشرت «الاتحادية» العراقية حكماً بعدم دستورية قانون تصديق البرلمان العراقي على اتفاقية خور عبدالله، مما أثار اعتراضات داخل العراق ورفضاً حازماً من الكويت، وحينئذ ذكر مركز البحوث والدراسات الكويتية، أن حكم هذه المحكمة يتناقض مع حكم سابق لها، فضلاً عن أنه يخالف اتفاقية فيينا.

وقال الخبير القانوني العراقي مصدق عادل لـ «الجريدة»، إن ما جرى بين «التمييز» و«الاتحادية» لا يؤثر مباشرة على حكم الأخيرة بشأن اتفاقية الملاحة في خور عبدالله، لأنه حكم متعلق بدستورية الاتفاقية ولا يتعلق بالقضاء العادي.

وأوضح عادل أن «محكمة التمييز تعد أعلى محكمة في العراق وفقاً لقانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل، وقرارات الاتحادية العليا تعد باتة وملزمة وفق المادة 94 من الدستور في حالة استنادها إلى نصوص دستورية سليمة»، مضيفاً أنه «بخلاف ذلك لا تكتسب قرارات المحكمة صفة البتات أو الإلزام، ولهذا جاء قرار محكمة التمييز منسجماً مع نصوص الدستور، لأنه يتعلق باستقلال القضاء العادي».

وفي المقابل، يلفت الخبير بالشأن القضائي علي حسن، في تصريح لـ «الجريدة»، إلى وجود «صراع بين الاتحادية والتمييز نتيجة التداخل في الصلاحيات بين الجانبين»، موضحاً أن «قرارات الاتحادية أصبحت سياسية أكثر مما هي دستورية».

ويذكّر هذا الصراع القضائي بدور رئيس الجمهورية الذي يمنحه الدستور صلاحية حماية الدستور، وهو ما يعني تدخُّله في حال حدوث خروقات دستورية مفترضة.

من جهته، قال الخبير القانوني فيصل ريكان لـ «الجريدة»، إن «صلاحيات رئيس الجمهورية باعتباره حامي الدستور العراقي غير مفعلة».

وأضاف أن «الرئيس لديه الحق في الاعتراض على أي قرار مخالف للدستور يتخذ من أي جهة»، مبيناً أن «هذا الأمر يحتاج الى التفعيل بقانون».

وتابع ريكان أن «عمل المحكمة الاتحادية يجب أن ينظم بقانون، والأخير موجود لكن لم يتم التصويت عليه منذ 18 عاماً، ويجب التصويت عليه حتى لا تتجاوز المحكمة صلاحياتها الممنوحة لها»، موضحاً أن «رئيس الجمهورية من حقه الاعتراض على أي قانون، وإذا أريد ذلك فيجب التصويت على قانون المحكمة من مجلس النواب لتنظيم عمله».

وأشار إلى أن «هناك صراعاً بين الاتحادية والتمييز وهذا بات واضحاً، وكل طرف لديه صلاحيات معينة، ولذا يجب أن تكون هناك جهة أعلى منهما لتحكم وتحل الخلاف، لكن للأسف في العراق لا يوجد هذا».

وأضاف أن «قانون الاتحادية يتضمن وجوب أن تحتوي المحكمة على فقهاء دين ورجال قانون يتسلمون مهام قضاة، وهذا غير معمول به أو مهمل».

وأكد ريكان أن «قانون الاتحادية إذا أُقر فستلغى المحكمة الحالية وتحل محلها محكمة بقانون جديد، وهذا يتيح إمكانية إلغاء قرارات سابقة أو إعادة النظر في قرارات صدرت سابقاً من المحكمة».

وأوضح أن «أبسط مثال هو ما حصل عام 2010 في العراق، حينما حدث الصراع بين نوري المالكي وإياد علاوي، حيث فاز الأخير بأعلى الأصوات في الانتخابات النيابية لكن الأكثرية مُنحت للمالكي من المحكمة الاتحادية عبر قرار اتخذته آنذاك، وبعد أن أُحيل رئيسها مدحت المحمود إلى التقاعد وتم تنصيب رئيس جديد، وسألوا الأخيرعن الموضوع الذي حصل أعطى حكماً يختلف عن الحكم السابق، أي بإمكان المحكمة أن تعيد النظر في أي قرار أصدرته سابقاً».

وبناءً على هذه المطالعات القانونية يرى البعض أن الصراع القضائي المستجد في العراق قد يفتح الباب أمام التراجع عن قرار إلغاء اتفاقية خور عبدالله، خصوصاً في ظل الرفض الدولي والإقليمي وحتى العراقي لبعض الحيثيات المغلوطة التي وردت فيه.