الكل يتحدث عن الفرق بين مجالس الأمة السابقة والمجالس الأخيرة، ويبدو أن هناك شبه إجماع على تدنّي مستوى العمل البرلماني في السنوات الأخيرة، ومخالفته للدستور ولائحة المجلس، فضلاً عن تدنّي لغة الخطاب، والإساءة للقضاء، والتدخل في صلاحيات الأمير.

ولا شك في أن هناك ملاحظات وأسباباً أساسية وأخرى ثانوية أدت إلى هذا الوضع، ومن هذه الأسباب ضعف التشكيلات الحكومية، وعدم قدرتها على مواجهة طرح أعضاء المجلس، خصوصاً بعد اكتشاف كثير من جرائم الفساد التي قام بها مسؤولون في الحكومة، ويضاف إلى ذلك عدم حماية الحكومة لوزرائها، إذ أوجد ذلك قناعة لدى بعضهم بالاستجابة لطلبات النواب لحماية أنفسهم من التجريح والاستجواب، مما أدى إلى المزيد من تدخّل الأعضاء في شؤون السلطة التنفيذية بالمساومة والتهديد، وتسارع النواب إلى استخدام الألفاظ غير الملائمة والمسيئة لتحقيق مزيد من المكاسب، بينما كانت الحكومة في أكثر الأوقات صامتة أو ضعيفة الرد.

Ad

ومع الأسف كان أسلوب النواب يقابل بالتشجيع والإشادة من كثير من الشارع والناخبين وطلبة المناصب، وازداد الوضع سوءاً لعدم وضع الحكومة قواعد عامة ومجردة للتعيين والترقية والنقل وشغل المناصب القيادية، وتركت الأمر لاجتهاد الوزراء ولضغوط النواب.

كما أدى التحول إلى نظام الدوائر الخمس والصوت الواحد إلى مزيد من التفاقم، فتحوّل الطرح في غالب الأحيان من الطرح الفكري إلى الطرح الفردي والشعبوية والعنصرية والخطابات العامة التي اتصفت بالإساءة والمبالغة واقتراحات استنزاف المال العام، والتصوير بأن الأموال العامة تُهدى للدول الأخرى ويُحرم منها المواطن، ووصل التشويه حتى إلى المؤسسات الناجحة والقدوات المخلصة في الدولة، وتأثرت أغلبية الجماعات السياسية بهذا الطرح، فأصبح الوصول إلى مقاعد المجلس هو الهدف الأول، لا الاقتصاد والمستقبل، كما لم يلتزم بعضهم بأحكام الشريعة الإسلامية التي حمّلهم الدستور أمانة الأخذ بها، وساعد في كل هذا دخول وسائل التواصل الحديثة التي قاد كثير منها الجهلة والرويبضة وذباب صراع الأقطاب، في حين اختفى أصحاب الرأي والقدوات الحسنة أو قلّ عددهم في الساحة الإعلامية.

وكل هذا كان يُمارس دون ردود مقنعة من الحكومة ودون رقابة أو محاسبة للكذابين والمسيئين، وعلى العكس، فإنها كانت تمارس في ظلال الدعوة إلى المزيد من الحريات، وفقدت الحكومة أغلبيتها في البرلمان على عكس جميع الأنظمة البرلمانية في العالم، لذلك يتذكر الناس المجالس القديمة ويتمنّون رجوعها.