دولة الكويت، على مر القرون، وبقيادتها الحكيمة وشعبها الكريم وأرضها المعطاءة، لم تخضع لأحد يوماً أبداً، ولم تتنازل عن حقها المشروع لأحد أبداً، حتى في أحلك الظروف، وما الغزو العراقي الآثم إلا مثال صارخ على ما نقول، وكثيراً ما أدخل شعبها، حكاماً ومحكومين، قسراً في اختبارات التنازل عن الحق والسيادة والكرامة «فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا»، وما حادثة طائرة الجابرية ببعيدة عن أنظارنا ولا خافية عن ذاكرتنا الوطنية، حينها حاول الأوغاد خطف طائرة الجابرية وفي «قلبها» كويتيون من أجل لي ذراع أهلها وابتزاز الوطن وليتمكنوا من إطلاق سراح مسجونين متهمين بارتكاب جرائم راح ضحيتها أبرياء، وجدوا مصادفة على مسرح الجريمة، فدفع أهل الضحايا ثمن عشقهم لتراب هذه الأرض، تماماً كما راح قتلى الجابرية قرباناً لإرادة الكويت الحديدية التي حاول الخاطفون ثنيها.
وفي أقسى المحن، التي مرت بنا قبل تجربة الاحتلال البغيض، كان هناك إعلاميون، عرب وأجانب، من بائعي الضمائر على قارعة طريق البغاء الإعلامي، ومن شتى حقول الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، يحاولون الإساءة للكويت حكاماً وشعباً، وكإعلاميين وفي الوقت الذي كنا ندافع بسيوف أقلامنا عن الديرة باستماتة غير مسبوقة، كان بيننا من طالب الحكومة الكويتية آنذاك بالتقرب من بعض هؤلاء الإعلاميين العرب القبيضة لشرائهم وإقناعهم للدفاع عن القضايا الكويتية المشروعة، تماماً كما اشتراهم غيرنا، لكف شرهم وأذاهم على الأقل، فكانت حكومتنا تشمئز من مثل هذه المطالب الشاذة، مستعينة بقدراتها الذاتية وحقوقها الشرعية، وإيمانها بمبدأ «ما يصح إلا الصحيح».
وتبين لهؤلاء الإعلاميين الضعفاء صدق توجه الحكومة الكويتية وموقفها الحازم في الوقوف مع مبادئها للحفاظ على سيادتها، وإذا كان مثل هذا الموقف قد صدر من حكومات كويتية متعاقبة تجاه إعلاميين عرب وأجانب، فكيف بموقفها مع إعلاميين كويتيين يفترض فيهم الإقدام للدفاع بأقلامهم عن ديرتهم دون منة، كجزء بسيط من محاولات رد جميل صنائع الوطن؟
هل يعقل أن تتقدم أي جهة حكومية- مهما كانت درجتها السيادية- من أي إعلامي لكي تطلب منه أن يدافع عن الكويت في أي ظرف من الظروف؟ ولنفترض أنها تقدمت من أي إعلامي مؤثر للدفاع عن القضايا الكويتية، هل يعقل أن يكون هذا الدفاع بمقابل مادي؟ هل يعقل أن تصل بنا «المواصيل» أن يكون بيننا إعلامي كويتي يخاطب الحكومة بمفهوم (تدفعين لي أدافع عن الكويت... ما تدفعين لي ما أدافع عن ديرتي)؟ هل يعقل أن يظهر إعلامي معروف في برنامج تلفزيوني ليفاخر بأن جهة حكومية سيادية تدفع له مادياً ودون أن يتقدم هو شخصياً بمطالب مادية، فتارة تدفع له كاش وتارة سيارة ومرة تخلص له معاملة، بل يتصل بسفراء الكويت في الخارج لمساعدة ربعه، دون أن يصدر هذا الإعلامي تكذيباً لهذ اللقاء التلفزيوني، على الأقل ليدعي أنه لقاء مفبرك وأنه لا يمكن أن يقحم جهة سيادية في عطايا رخيصة؟
الطامة الكبرى أن إعلاميين كويتيين دخلوا على الخط ليطالبوا بقطعة من كعكة العطايا المجانية التي هلت على زميل لهم، ولا ندري أي من الإعلاميين الكويتيين سينضم إلى قائمة «الموالين» المطالبين بحقهم في عطايا الولاءات، وإذا كان هذا هو حالنا في الكويت، وفي كيفية تعامل الجهات الرسمية مع إعلاميين كويتيين، فما موقف الإعلاميين العرب والأجانب منا؟ وما الذي سيقولونه عنا حينها؟ ولهذا أتساءل عما سيقول عنا الناس في الخارج وعن أسلوب الحكومة الكويتية في التعامل مع الإعلاميين العرب والأجانب.
أعتقد أن الحل الأمثل يكمن في وقف هذه المهزلة الإعلامية وإيقاف كل المسيئين للدولة عند حدهم، وإلا فإن على الكويت وكرامتها وسمعتها السلام... والله أعلم.