وجهة نظر: المنجمون يخبرون بمستقبل المنطقة

نشر في 28-06-2024
آخر تحديث 27-06-2024 | 18:21
 صالح غزال العنزي

كلما حدث أمر في دولة أو وقع حادث في إقليم تبادل الناس (فيديوهات) المنجمة إياها أو المنجم إياه، ثم بنوا على ذلك ما كان وما سيكون، والغريب أن بعض النخب التي تصنف نفسها (مثقفة) هي الأسرع إلى تصديق ما قاله المنجمون والأسرع إلى نشر المقاطع وشرح ما (قتّ) من كلماتها.

ومن قرأ عن النبوءات القديمة والحديثة التي روتها الكتب نصاً أو شرحاً يجد أن ما يهرطق به هذان المتنبئان أو غيرهما لا يمكن أن نسميه تنبؤاً أو عرافةً لأنه مختلف عن ذلك كلياً ولا يقوم على قواعد قابلة للفهم سواءً كانت هذه التنبؤات مصيبة أو مخطئة.

وقديماً قرأنا عن عراف نجد الأبلق الأسدي وعراف اليمامة ابن عجلة، وكيف أن الناس كانت ترتاد مجلسيهما لمعرفة رأيهما في يعض القضايا المهمة التي يرغبون في اتخاذها، وكيف كانت ردودهما، وعرف العرب العرافين قرونا عديدة، حتى أن ابن خلدون تحدث عنهم قائلاً ما معناه أنهم أشخاص ذوو فراسة ومعرفة بحركة المجتمع، ولديهم قدرة على استنباط النبوءة المستقبلية من واقع سير الحياة ونموذجية تتالي الأحداث الرتيبة.

ومع ذلك فقد عرفت الأمم الغابرة طرق التنبؤ بالأحداث، واشتُهر الكثير من المتنبئين حتى أن سقراط كان يتجنب بعض المواقف والطرق، ويقول إن الله ألهمه الابتعاد عنها، ثم يكتشف الناس لاحقاً أن أمراً سيئاً قد حدث لما اجتنبه سقراط، وأما كتاب القرون الذي جمع تنبؤات نوستراداموس فقد ذاع صيته وصحّت الكثير من تنبؤاته.

غير أن كل ما سبق كان يتشابه بعدة صفات تجمع التنبؤات والمتنبئين، ولذلك فإننا دائماً ما كنا نقف إما مستنكرين ونعتبر ذلك من طرق التنجيم التي كذب أصحابها وإن صدقوا، أو من علم النبوءات أو الجفر الذي عجزنا أن نفهم وسائل استنباطه.

لكن أن يخرج علينا رجل وامرأة في ليلة رأس كل سنة فيهرفان بما لا يعرفان، ونقف جميعنا متسمرين أمام أجهزة التلفزيون، وكأن على رؤوسنا الطير، فإن الأمر لا يعدو أننا نعيش في فترة عدم استقرار واضح ونعاني تذبذباً شديداً وضبابية موغلة في الحياتين الاجتماعية والسياسية، فنبحث بين ثنايا كلمات هؤلاء المنجمين عن بارقة أمل أو بصيص تفاؤل، وإلا هل سألنا أنفسنا (كم سؤال) قبل أن نصدق هؤلاء أو نستشهد بأقوالهم؟

لماذا يخرج هؤلاء ساعة أو ساعتين بداية كل عام فيقرأوا (الوصفة) إياها ثم يختفوا فلا نراهم يعلقون على حدث أو موقف بعد ذلك؟ ولماذا لا يتحدث هؤلاء إلا في السياسة رغم أنهم في حياتهم العادية لم نسمع لهم نشاطاً سياسياً أو توجهاً أو موقفأً يدل على وعيهم أو اهتمامهم السياسي؟ أليس من الملاحظ أنهم يقرأون بطريقة بلهاء من أوراق مكتوبة وبأخطاء لغوية وبلسان (مربوط) مرتبك يدل على أن ما يقرأوه لم يكتبوه ولكن كُتِبَ لهم؟

هل تنبؤوا مرة واحدة بموقف واضح ومحدد أو ذكروا شخصية معروفة بالاسم وما يحدث لها أم أن ما يقولونه غامض ومتشعب وحمّال أوجه؟ أليست كل نبوءاتهم عامة وهلامية وغير محددة المعالم ولو أعدناها في نهاية العام لوجدنا أن 90% منها كذب و10% حمال أوجه؟

المسألة برمتها ليست سوى منشورات هنا وهناك في مواقع استخباراتية عالمية تعودت أن تبث الأحداث قبل تنفيذها وتسوّق التقارير بعدة طرق لخلخلة الأعمدة الثقافية والاجتماعية للشعوب لتدمير جاذبيتها العقلية، وأما هؤلاء المنجمون فيلتقطون بعضها ويجمعونها طوال العام لينشروها في الليلة الأخيرة باسمهم، وإلا ألم تتنبأ أفلام هوليوود بالغزو الصدامي للكويت وبالأزمة الاقتصادية العالمية 2008م وبمرض كورونا وانهيار برجي التجارة في نيويورك وبنجاح دونالد ترامب قبل وقوعها كلها وبسنوات.

المسألة أكبر من أبله مرتبك يقرأ أوراقاً بلسان أعوج أو بلهاء لو قاطعها المذيع وهي تقرأ لارتبكت وأضاعت البداية من النهاية.

back to top