واشنطن تبلغ طهران تحقيق اختراق لمنع حرب إسرائيلية على لبنان

إدارة بايدن ربطت تسليم شحنات الأسلحة المعلقة لتل أبيب بعدم شن هجوم واسع في الشمال
• «حزب الله» أكد باجتماع لـ «جبهة المقاومة» في طهران أنه قد يطلب مقاتلين من حلفائه

نشر في 28-06-2024
آخر تحديث 27-06-2024 | 20:33
جانب من تدريبات مشتركة بين الجيش اللبناني و«الصليب الأحمر» و«الدفاع المدني» في مدينة جونيه شمال بيروت أمس (أ ف ب)
جانب من تدريبات مشتركة بين الجيش اللبناني و«الصليب الأحمر» و«الدفاع المدني» في مدينة جونيه شمال بيروت أمس (أ ف ب)

رغم تحذيرات السفارات الغربية وغيرها لرعاياها من السفر إلى لبنان، والتي انضمت إليها موسكو بحذر أمس، لاحتمال اندلاع حرب شاملة بين «حزب الله» وإسرائيل قد تكون شرارةً لحريق إقليمي واسع، كشف مصدر في «فيلق القدس»، الذراع الخارجية للحرس الثوري، والذي يشرف على الاتصالات بين إيران والولايات المتحدة للجم فتيل الحرب في لبنان، عن اختراق إيجابي تحقق في الأيام الأخيرة ضمن الجهود الأميركية لتجنيب المنطقة الأسوأ، لافتاً إلى أن الجانب الأميركي أبلغ طهران هذا التقدم في اتصالات جرت أخيراً.

وقال المصدر لـ «الجريدة»، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ربطت قضية الحرب في لبنان بموضوع وقف بعض شحنات الأسلحة لإسرائيل، وهو الأمر الذي كان في السابق مرتبطاً بالحرب في قطاع غزة، والذي أثار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو فضيحة بالتحدث عنه «خارج الغرف المغلقة» الأسبوع الماضي، ما تسبب في توتر شديد بين واشنطن وتل أبيب، بل وبين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، الذي انتقد من العاصمة الأميركية الحديث عن هذه القضية علناً.

وأوضح المصدر أن الأميركيين ربطوا بين إعادة تسليم هذه الشحنات لإسرائيل بالحصول على ضمانات أنها لن تتسبب في حرب شاملة على لبنان تكون شرارة لحرب إقليمية، مضيفاً أن الجانب الأميركي طلب أيضاً من طهران أن تقوم بالمثل مع «حزب الله» لإجباره على خفض التصعيد.

اقرأ أيضا

وذكر أن الجانب الأميركي أكد أنه ليس لديه أي نية للدخول في حرب مع إيران ما لم تتعرض مصالحه لخطر مباشر من جانبها، مضيفاً أن الجانبين اتفقا على ضرورة أن يتجاوزا أي خطوة يمكن أن تؤدي إلى التصعيد والمواجهة بينهما.

وأشار إلى أنه خلال التواصل الأميركي ــ الإيراني الأخير، قال الأميركيون إن إسرائيل قد تقبل بحل دبلوماسي في حال قدمت ضمانات لسكان الشمال على قاعدة معادلة أمن سكان شمال إسرائيل مقابل أمن سكان جنوب لبنان، الذي عرضته طهران نيابة عن «حزب الله».

في سياق آخر، قال المصدر نفسه، إن طهران استضافت اجتماعاً غير معلن لقادة «جبهة المقاومة»، الثلاثاء الماضي، حضره قائد «فيلق القدس» إسماعيل قآني، تم خلاله التأكيد أن كل أطراف هذه الجبهة مستعدون لإرسال قوات إلى لبنان لمساندة «حزب الله» إذا اندلعت الحرب، لكن الشيخ هاشم صفي الدين رئيس المكتب التنفيذي للحزب وممثل الأمين العام لحسن نصرالله في الاجتماع، أكد أن حزبه لديه العدد الكافي من المقاتلين، لكن في حال تطورت المعركة قد يطلب الدعم إما بمدّه مباشرة بالمقاتلين، أو بإسناده بشكل غير مباشر عبر استهداف المصالح الإسرائيلية.

وفي بيروت، أكدت مصادر رسمية لبنانية، أن الرسائل الدولية التي أتت خلال الأيام القليلة الماضية تشير إلى إمكانية الحديث عن النجاح في احتواء التصعيد، ومنع توسع الجبهة لتتحول إلى حرب.

وكشفت مصادر قريبة من «حزب الله» أنه لا يزال مطمئناً لعدم اتجاه الإسرائيليين نحو شنّ حرب أو توسيع المواجهات، خصوصاً أن المعطيات لدى الحزب تؤكد عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي لذلك، كما أنه لم يتم استدعاء الاحتياط، وأن عدد الجنود الموجودين على الحدود مع لبنان يبلغ نحو 150 ألفاً، وبالتالي هذا عدد غير كاف لشن هجوم، بل هذا العدد مخصص للدفاع فقط.

وتتحدث أوساط في بيروت عن تضارب في التقديرات بين مَن يعتبر أن نتنياهو سيعلن في كلمته أمام الكونغرس الأميركي الشهر المقبل انتصاراً غير مكتمل على حركة حماس في غزة، والانتهاء من العمليات البرية، لكن بدون إعلان وقف الحرب أو وقف إطلاق النار، وأنه سيحاول بعدها التحشيد السياسي الأميركي للحصول على ضوء أخضر أميركي للشروع في توسيع عملياته العسكرية ضد «حزب الله» وسيبدأ بعمليات تصعيدية.

وفي المقابل، هناك تقديرات أخرى تفيد بأنه مع وقف الحرب البرية في غزة فإن وتيرة المفاوضات السياسية والبحث عن حل دبلوماسي وسياسي للوضع مع لبنان ستتسارع للوصول إلى نتيجة.

وفي حين نقلت صحيفة «إسرائيل هيوم» العبرية عن مراقب الدولة قوله في رسالة لنتنياهو، إن إسرائيل ليست مستعدة للحرب في الشمال، ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أنه بغض النظر عن نتيجة الجهود الدبلوماسية لمنع الحرب فإن تل أبيب حققت أحد أهدافها من الآن، إذ تمكنت من فرض، عبر القوة النارية، منطقة أمنية عازلة بعمق 5 كيلومترات على الحدود مع لبنان هي بمنزلة «منطقة ميتة» غير صالحة للسكن.

وفي تفاصيل الخبر:

ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن إسرائيل تسعى الى إنشاء منطقة ميتة على طول الحدود مع لبنان بعمق 5 كيلومترات. وأشارت الصحيفة الى أنه على مدى نحو 9 أشهر من الصراع المحتدم مع حزب الله، قام الجيش الإسرائيلي بتدمير مساحات واسعة من جنوب لبنان. وتضيف أن الأضرار البالغة شملت المباني والبنية التحتية والأراضي الزراعية والغابات، فضلاً عن ضرب أهداف عسكرية لحزب الله، مشيرة الى أنه في القرى والبلدات المتفرقة المنتشرة على الحدود، تمت تسوية بعض الأحياء بأكملها بالأرض.

غير صالحة للسكن

وذكرت الصحيفة البريطانية أن معظم الدمار حدث في ممر بعمق 5 كيلومترات شمال الخط الأزرق مباشرة، وهو الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة بين البلدين، وذلك فقًا لتحليل صور الأقمار الاصطناعية وبيانات الرادار والإحصاءات الحكومية، إلى جانب مقابلات مع مسؤولين محليين وحكوميين وباحثين وعاملين في الدفاع المدني وسكان.


الجيش اللبناني خلال تدريبات مشتركة مع «الصليب الأحمر» و«الدفاع المدني» في مدينة جونيه شمال بيروت أمس (د ب أ) الجيش اللبناني خلال تدريبات مشتركة مع «الصليب الأحمر» و«الدفاع المدني» في مدينة جونيه شمال بيروت أمس (د ب أ)

وتشير البيانات التي جمعتها «فايننشال تايمز» إلى أنه مع تعثّر المفاوضات الدبلوماسية، استخدم الجيش الإسرائيلي القوة لخلق واقع جديد على الأرض، إذ أدى القصف الجوي شبه اليومي والقصف المدفعي واستخدام الفوسفور الأبيض الكيميائي الحارق إلى جعل جزء كبير من مسافة 5 كيلومترات شمال الخط الأزرق غير صالح للسكن.

وتلفت الى أن الأضرار البنيوية والتدهور البيئي والضرر الاقتصادي شكلت شريطاً من الأرض يشبه «المنطقة العازلة» التي تريد إسرائيل إقامتها في لبنان، مضيفة: رغم أن محاولات التفاوض على اتفاق يتضمن انسحاب حزب الله من الحدود لم تنجح حتى الآن، فإن المنطقة أصبحت بحكم الأمر الواقع منطقة عسكرية، يحرسها مقاتلو حزب الله والقوات المسلحة اللبنانية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

معضلة دبلوماسية

في المقابل، نقلت «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين تحذيرهم من «رياح معاكسة قوية» قد تجهض مساعي إدارة الرئيس جو بايدن للحد من توسّع الحرب بين إسرائيل وحزب الله، بسبب فشل أميركا في وقف إطلاق النار بغزة، فيما تسلّط الروابط بين الجبهتين الضوء على «معضلة دبلوماسية» يواجهها الأميركيون قد تجر إيران وتوسّع نطاق القتال إلى ما هو أبعد من غزة.

ويصر البيت الأبيض على أن وقف التصعيد على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان لا يمكن أن يكون مشروطا بوقف إطلاق النار في غزة، وذلك مع تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل وتهديد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بأنه «لا يوجد مكان في إسرائيل آمن من صواريخنا».

ونقلت «وول ستريت» عن مسؤول كبير في إدارة بايدن «رفضه تماما هذا المنطق الذي يربط الأمر كله بغزة»، في حين فشل المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكشتاين حتى الساعة في صياغة اتفاق يتضمن انسحاب حزب الله من الحدود.

موسكو تنضم للسفارات التي تحذّر رعاياها من السفر إلى بيروت

وبينما وافق الجيش الإسرائيلي على خطة لعملية عسكرية محتملة ضد حزب الله، وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إعادة نشر قوات من غزة إلى الحدود اللبنانية «في المستقبل القريب»، سارعت حكومات أجنبية، بينها كندا وألمانيا وهولندا، إلى دعوة مواطنيها لمغادرة لبنان، مع تحذير البعض من أن اتساع الحرب قد يؤدي إلى إغلاق الطرق التجارية بالمنطقة. وانضمت السفارة الأميركية، أمس، الى التحذيرات وكذلك الروسية، التي قالت إنها لم تصدر بيانا جديدا يحذّر من السفر، لكنها أعادت نشر تحذير قديم، ألا أن سفيرها دعا المواطنين الروس الى عدم زيارة لبنان قبل أن تهدأ الأمور على الجبهة الجنوبية.

في المقابل، اشارت صحيفة الأخبار اللبنانية الموالية لحزب الله إلى أن سفارات أوروبية وغربية أجرت مسحا للشاطئ اللبناني لرصد أمكنة يمكن من خلال تنفيذ عمليات إجلاء بحري طارئة في حال حدث الأسوأ. وكانت الكويت من بين أوائل الدول التي حذرت رعاياها من السفر الى لبنان ودعت أولئك الموجودين هناك الى العودة.

ونقلت «وول ستريت» عن ديفيد شينكر، (كبير مسؤولي «الخارجية» الأميركية لشؤون الشرق الأوسط في عهد ترامب)، إنه «نظرًا للقلق بشأن الخسائر المدمرة لحرب أخرى بين حزب الله وإسرائيل، واحتمال انضمام إيران إليها، تبذل إدارة بايدن جهودًا دبلوماسية كبيرة لتأجيل حريق قد يكون لا مفر منه في نهاية المطاف».

وتشمل الأفكار التي تقترحها الولايات المتحدة لنزع فتيل التوترات، نقل عدة آلاف من الجنود من القوات المسلحة اللبنانية إلى المناطق الحدودية التي سيخليها حزب الله، والذين سيُطلب منهم الانسحاب مسافة 7 كيلومترات من الحدود، وفقًا لمسؤولين حاليين وسابقين. وإضافة إلى ذلك، أوضح شينكر أنه من الممكن توسيع قوة حفظ يونيفيل للسلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة بالفعل في جنوب لبنان، على أن توافق إسرائيل على الحد من تحليق الطائرات الحربية والطائرات من دون طيار فوق لبنان.

ولتكثيف الضغط على حزب الله للموافقة على اتفاق خفض التصعيد، حذّر مسؤولون أميركيون من أن واشنطن لن تكون في وضع يسمح لها بكبح جماح الجيش الإسرائيلي إذا تعثرت الجهود الدبلوماسية. وأكد مسؤول كبير في الإدارة «نحن ندعم إسرائيل بالكامل والدفاع عن مصالح أمنها القومي... ضد مجموعات مثل حزب الله».

لكنّ رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال في سلاح الجو، سي كيو براون، قال للصحافيين الأحد الماضي إن الجيش الأميركي ربما لن يكون قادرًا على الدفاع عن إسرائيل ضد هجوم كبير لحزب الله بنفس النجاح الذي حققه في حمايتها خلال أبريل الماضي، عندما هاجمتها إيران بصواريخ باليستية وطائرات من دون طيار.

back to top