أزمة الكهرباء... حصيلة تراكمات من الإخفاقات

بدأت في صيف 2006 والحكومات المتعاقبة لم تحرك ساكناً حتى انفجرت الشهر الجاري
• الآمال معقودة على الحكومة الحالية لإيجاد حلول جذرية والإسراع في تنفيذ المشاريع المتأخرة
• القطع المبرمج الأول حدث قبل 18عاماً وشكّل مجلس الوزراء لجنة تحقيق في 2006
• لجنة التحقيق الوزارية انتهت آنذاك إلى وجود إهمال جسيم أدى إلى برمجة القطع
• مشاريع إنهاء الأزمة تكسّرت على جسر البيروقراطية والتمويل

نشر في 28-06-2024
آخر تحديث 27-06-2024 | 20:40

لم تكن أزمة الكهرباء، التي شهدتها البلاد قبل نحو أسبوع، وليدة الساعة، إنما حصيلة تراكمات من الإخفاقات، عندما اندلعت شرارتها قبل أكثر من 18 عاماً، ولم تحرك الحكومات المتعاقبة ساكناً لمعالجة الأزمة، التي باتت كابوساً يؤرق المواطن.



ومع لجوء وزارة الكهرباء والماء قبل نحو أسبوع إلى الخيار المر، المتمثل في القطع المبرمج، الذي طال في يومه الأول نحو 41 منطقة سكنية، نتيجة زيادة الأحمال وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، وما ولّده من موجة استياء شعبية، تُعلّق الآمال على الحكومة الحالية، التي اتخذت أول تحرك فاعل لإيجاد حلول جذرية للأزمة، وتمكنت سريعاً من تحقيق استقرار نسبي بوقف القطع المبرمج، رغم ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الأحمال.

بداية الأزمة

بدأت أزمة الكهرباء منذ صيف 2006، عندما لجأت وزارة الكهرباء والماء، آنذاك، إلى القطع المبرمج لنحو 4 أيام متصلة عن عدد من المناطق السكنية، وقرر مجلس الوزراء وقتها تشكيل لجنة تحقيق لتحديد أسباب الأزمة والمقترحات اللازمة لعدم تكرارها، حيث شكلت تلك اللجنة في 20 أغسطس 2006 برئاسة وزير الطاقة آنذاك، وضمت أعضاء من جامعة الكويت ومعهد الكويت للأبحاث العلمية وجمعية المهندسين الكويتية.

ورغم أن تقريرها لا يزال متوارياً، فإنها انتهت فيه، حسبما هو معلن، إلى وضع التوصيات اللازمة، مع تأكيدها أن ما حدث انطوى عن إهمال جسيم وترتب عليه ضرر جسيم بأموال الوزارة، واستمرت أزمة التيار حتى بلغت ذروتها في فبراير 2015، نتيجة خلل فني أصاب الكابلات الهوائية في محطة الصبية، مما أدى إلى خروج أكثر من ألفي ميغاواط من الخدمة، وتسبب في غرق مناطق واسعة من البلاد في الظلام حينذاك.

التعهدات الحكومية

ولم تغب التأكيدات الحكومية الواردة من وزارة الكهرباء والماء منذ ذلك التاريخ على تنفيذ المشاريع اللازمة لمواكبة الزيادة المتسارعة للأحمال الكهربائية واستهلاك المياه، بسبب التوسعة العمرانية والمشاريع الإسكانية والتنموية وإنشاء المدن الجديدة في البلاد، وذلك عند الإعداد والتخطيط للمشاريع المستقبلية لمحطات القوى الكهربائية وإنتاج المياه المقطرة.

لكن على أرض الواقع تكسرت أغلب تلك الوعود على جسر البيروقراطية والتمويل، ويدفع المواطن وحده الآن فاتورة إخفاقات ورثتها الحكومة الحالية، التي يعول عليها المراقبون في تنفيذ المشاريع، خاصة أنها تمتلك قرارها.



وفي يناير 2016، أكدت وزارة الكهرباء والماء أن الطاقة الكهربائية المطلوبة لتغذية 120 ألف وحدة سكنية حوالي 10 آلاف ميغاواط، بتكلفة رأسمالية قدرت وقتها بنحو 7 مليارات دينار، وتوقعت آنذاك أن ترتفع القدرة الكهربائية المتوفرة للشبكة الكهربائية من 15 ألف ميغاواط إلى 25 ألفا بعد اكتمال تنفيذ 120 ألف وحدة سكنية.

ومن المشاريع، التي أعلنت وزارة الكهرباء والماء، على سبيل المثال، أنه جار تنفيذها في 2018، مشروع توريد وتشغيل وصيانة تحويل المرحلة الثالثة من التوربينات الغازية في محطة الزور الجنوبية إلى دورة مشتركة، بقدرة إنتاجية للكهرباء تقارب 250 ميغاواط، ومشروع توريد وتشغيل وصيانة تحويل المرحلة الأولى لمحطة الصبية إلى دورة مشتركة بقدرة إنتاجية للكهرباء تقارب 250 ميغاواط، ومشروع توريد وتشغيل وصيانة وحدات توربينية غازية تعمل بنظام الدورة المشتركة المرحلة الثالثة في محطة الصبية، بقدرة إنتاجية للكهرباء تقارب 930 ميغاواط.

كما كشفت الوزارة وقتها عن قيامها بالإعداد والتخطيط لتنفيذ مشروع النويصيب للتوربينات الغازية، التي تعمل بنظام الدورة المشتركة بقدرة إنتاجية للكهرباء تقارب 7200 ميغاواط، وإنتاج مياه مقطرة بقدرة 180 مليون غالون إمبراطوري يومياً، مبينة أنها تقوم بالتنسيق مع هيئة الشراكة مع القطاع الخاص للإعداد لمشروع محطة الزور الشمالية لإنتاج الكهرباء والمياه المقطرة، التي تشتمل على توربينات غازية تعمل بنظام الدورة المشتركة بقدرة إجمالية حوالي 3200 ميغاواط، ومشروع محطة الخيران للتوربينات الغازية التي تعمل بنظام الدورة المشتركة بقدرة 5400 ميغاواط.

المشاريع المتأخرة

غير أن ديوان المحاسبة أعلن، في تقرير صادر له مؤخرا، عن مشاريع وزارة الكهرباء المتأخرة، وبينها مشروع بمحطة الصبية لإدخال 250 و900 ميغاواط، ومشروع محطة النويصيب لإضافة 3600 ميغاواط، ومشاريع هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي تمثلت في مشروع محطة الزور الشمالية، المرحلتين الثانية والثالثة لإنتاج 2700 ميغاواط، ومحطة الخيران المرحلة الأولى لإنتاج 1800 ميغاواط، ومحطة الشقايا المرحلة الثانية لإنتاج 1500 ميغاواط، و«الثالثة» لإنتاج 2000 ميغاواط.

لكن المفارقة، التي تنذر بأزمة كبيرة الصيف المقبل في حال لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة وبناء محطات جديدة على وجه السرعة تواكب التوسع العمراني، تتمثل فيما أعلنته وزارة الكهرباء والماء في 2018 بأنه سيتم إخراج محطتي الشعيبة الجنوبية والدوحة الشرقية العام الجاري، حيث تم تشكيل لجنة للإشراف على خطة إخراج المحطتين.

مصادر الكهرباء

وبحسب البيانات الرسمية لوزارة الكهرباء والماء، والمنشورة على موقعها، يمتلك قطاع محطات القوى الكهربائية وتقطير المياه 6 محطات، متوزعة على أنحاء الكويت ومرتبة من الأقدم إلى الأحدث كالآتي: محطة الشويخ لتوليد الطاقة الكهربائية وتقطير المياه، التي تقع في منطقة الشويخ، وتأسست عام 1952، ويقدر إنتاجها من الطاقة الكهربائية بـ33 ميغاواط/ساعة، وإنتاجها من المياه بـ52 مليون غالون إمبراطوري يومي.

وكذلك محطات الشعيبة لتوليد الطاقة الكهربائية وتقطير المياه، والمتمثلة في محطة الشعيبة الشمالية، وتأسست عام 1965، ويقدر إنتاجها من الطاقة الكهربائية بـ879 ميغاواط/ساعة، وإنتاجها من المياه بـ45 مليون غالون إمبراطوري يوميا، إضافة إلى محطة الشعيبة الجنوبية، التي تأسست عام 1970، ويقدر إنتاجها من الطاقة الكهربائية بـ804 ميغاواط/ساعة، وإنتاجها من المياه بـ30 مليون غالون إمبراطوري يوميا.



ويضاف إلى ذلك محطة الدوحة الشرقية لتوليد الطاقة الكهربائية وتقطير المياه، التي تأسست عام 1977، ويقدر إنتاجها من الطاقة الكهربائية بـ1050 ميغاواط/ساعة، وإنتاجها من المياه بـ42 مليون غالون إمبراطوري يوميا، فضلاً عن محطة الدوحة الغربية لتوليد الطاقة الكهربائية وتقطير المياه، وتأسست عام 1980، ويقدر إنتاجها من الطاقة الكهربائية بـ2541 ميغاواط/ساعة، وإنتاجها من المياه بـ110 ملايين غالون إمبراطوري يوميا.

وتساهم محطة الزور الجنوبية لتوليد الطاقة الكهربائية وتقطير المياه، التي تأسست عام 1988، في إنتاج 5870 ميغاواط/ ساعة، ويقدر إنتاجها من المياه بـ148 مليون غالون إمبراطوري يوميا، بينما تنتج محطة الصبية لتوليد الطاقة الكهربائية وتقطير المياه، التي تأسست عام 1998، نحو 5300 ميغاواط/ساعة، ويقدر إنتاجها من المياه بـ100 مليون غالون إمبراطوري يوميا.

حلول مقترحة

وطرح مراقبون العديد من الحلول، منها تنفيذ المشاريع المتأخرة وبناء محطات جديدة تواكب التوسع العمراني وتوفر الطاقة اللازمة لعدة سنوات مقبلة، وهذا الحل يحتاج إلى توافر ميزانية واتخاذ القرار والبدء الفعلي بالتنفيذ، ومن الحلول كذلك التشجير، الذي يساهم في خفض درجات الحرارة ومواجهة الحبس الاحتراري.



أما على صعيد الترشيد فقد طرح وزير الكهرباء والماء الأسبق محمد بوشهري الحل، متمثلا في إعادة إحياء المشروع بقانون الذي تقدمت به الحكومة عام 2016 لتغيير تعرفة الكهرباء وتقنين الدعم، بحيث تكون هناك شرائح للسكن الخاص مع حصول المواطن على الدعم لبيت واحد فقط، والذي تم رفضه في مجلس الأمة آنذاك، حيث رأى بوشهري أن الأعضاء كان جل همهم وقتها الكرسي الأخضر أما الدولة فهي التي تدفع الثمن.

وتبقى العين على الحكومة إما أن تنهي أزمة الكهرباء بحلول جذرية، ووقتها الشعب كله سيصفق لها، أو تستمر الأزمة وتبقى الحلول الترقيعية من قطع مبرمج وربط خليجي ودعوات للترشيد، ومع هذا الخيار ستستمر الأزمة، ولا تلومن الحكومة وقتها إلا نفسها!

مرئيات وزارة الكهرباء والماء لحل مشاريع الطاقة والطاقات المتجددة 2030-2050

• 11 مشروعاً لتعزيز أمن الطاقة خلال العقدين القادمين بسعة إجمالية تصل إلى 22100 ميغاواط

• 15000 ميغاواط بالتقنيات التقليدية و7500 بالتقنيات المتجددة

• رفع النسبة المستهدفة لعام 2030 من 15 إلى 30 بالمئة من حجم الطلب على الطاقة وقت الذروة، وصولاً إلى 40 بالمئة عام 2040 و50 بالمئة في 2050

• إشراك المواطن في إنتاج الطاقة من مصادر متجددة، مثل الطاقة الشمسية

• توجه لإقرار مشروع قانون يحول الوزارة إلى مؤسسة الكهرباء والماء، وهو مطروح منذ عام 2002

ملايين صرفت على «الترشيد»!

من واقع كتب رسمية، تبين أنه تم صرف ملايين الدنانير على ترشيد استهلاك الكهرباء، وتحديداً في صيف 2007، عندما تقدمت جمعية المهندسين الكويتية بفكرة المشروع الوطني لترشيد الطاقة، وحددت ميزانية له قدرها 14 مليون دينار، وبلغت قيمة الدعم الذي قدمته وزارة الكهرباء والماء وحدها وقتها 3.8 ملايين.

ورأت الوزارة وقتها أن المشروع حقق الجدوى منه، وكانت نتائجه ظاهرة للمتابعين والمراقبين والمهتمين بشؤون الطاقة الكهربائية، وتم توفير مبالغ دون أن تحدد قيمتها الفعلية، تمثل جزءاً من تكلفة استهلاك الوقود بالمحطات.

back to top