من صيد الخاطر: «إِنَّ مَعَ اليومِ غداً»
«إِنَّ معَ اليومِ غداً»، مثل عربي يُضرَب في تنقُّلِ الدوَل على مر الأيام وكَرِّها، وتغيُّر الموازين والظروف، وتحوُّل الدنيا على الناس من حالٍ إلى حال.
وقد قال الله تعالى في ذلك: «إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ، وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ»، فإن حزنتم أيها المسلمون لما أصابكم من جراح أو قتل في غزوة أُحد، فقد أصاب المشركين جراحٌ وقتل مثل ذلك في غزوة بدر، فهي أيام يُصَرِّفها الله بين الناس، وهي أيام يتقلَّب فيها الناس بين العز والمذلة، وتتقلَّب فيها الأمم وتندثر، هكذا هي حال الأمم، وهكذا حال أمتنا، كانت حضارة سادت ثم بادت، فلما ذلت واستكانت تكالبت عليها الأمم، وتطاولت عليها حثالات البشر.
سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال في ذلك: «الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر».
وقد فسَّر أحدهم المثل «إِنَّ معَ اليومِ غداً»، بأنه يُضرب في تَنقُّل الحالات وتبدُّل الساعات، لأن الخير والشر لما كانا متقاربين، كان زمانهما في علم الله تعالى «مُقَسَّطينِ مُقَدَّرَيْن».
وقال الشاعر في ذلك:
يا مَنْ يَخافُ أَنْ يكونَ
ما يكونُ سَرْمَداً
أَمَــا سمــــعتَ قولَـهــــم
إنَّ مع اليوم غدا
وقال في ذلك علي بن الجهم لما حبسه المتوكل:
صبراً فإِنَّ اليومَ يَتْبَعُه غـد
ويَــدُ الخــليفةِ لا تُطــاوِلـــها يَـــدُ
وقال آخر:
ولِكلِّ خيرٍ مُعقِبٌ ولربما
أَجلى لك المكروهُ عمّا يُحمدُ
أما أبو الدرداء، فقال في ذلك: «البِرُّ لا يَبْلَى، والإثْمُ لا يُنسَى، والدَّيَّانُ لا يَنام، فكُنْ كَما شِئْت، فكَما تَدينُ تُدان»، وكما تَفعل يُفعلُ بك، وكما تصنع يُصنعُ بك، وما تعمله يُعمل بك، فلنتأسَّ بقول الله تعالى: «مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ».