في تجديد الخطاب الديني

لست من المتخصصين في العلوم الشرعية أو من المتفقهين في علوم أصول الدين وغيره من العلوم التي تدرس في الأزهر الشريف، فلم أشرف بذلك، ولا أستطيع أن أطاول هؤلاء وأولئك في علمهم أو أن أخوض نقاشاً فيما تفقهوا فيه، وأفنوا حياتهم في البحث والدراسة والتحصيل العلمي، زادهم الله بصراً وعلماً وبصيرة.

Ad

ولكني أحاول مع من سبقوني من غير هؤلاء العلماء الأجلاء مع كل التقدير لعلمهم الغزير، الاجتهاد ما وسعني ذلك في تفهم الدين والاجتهاد فيه، وهو حق كل مسلم، فالقرآن نزل بلسان عربي، وقد يسره الله للناس كافة، لينهلوا منه، ما يصلح أحوالهم في الحياة الدنيا للفوز بالجنة في الآخرة، فلم يجعل تبيانه حكراً على كهنوت يسبر الناس باعتباره الأعلم، والله أعلم مثل باقي الديانات، كالمسيحية التي ظلت تعاليمها محصورة لقرون طويلة في نطاق لغة، لم يكن متيسراً لغير العلماء أن يفهموها، ومثل الديانة اليهودية التي لم تكتمل شرائعها في حياة موسى، بل شاركه في تشريعها الأحبار من بعده في إعداد وصياغة كل التعاليم التي تحكم سلوك اليهود في الأسفار الخمسة، التكوين والخروج، واللاويين، والعدد، والتثنية.

وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع يوم عرفة وقد نزل فيه الوحي مبشراً أنه «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»

أهداف تجديد الخطاب

فتجديد الخطاب الديني يستهدف في المقام الأول هدفين:

أولهما: الرد على قالة السوء في الإسلام، من الغرب والذين وصفوا المسلمين بالهمجية والعنف والإرهاب، ولا أنكر أن هناك عشرات من الكتاب والمفكرين في الغرب الذين أنصفوا الإسلام في الخطاب السياسي ومن هؤلاء في فرنسا لامارتين وجارودي، الذي أسلم بعد ذلك، وبرنارد شو في إنكلترا وتولستوي في روسيا، ومايكل هارت في أميركا، حيث يقول الأديب والمفكر الروسي تولستوي (1828-1910) في كتابه عن محمد (صلى الله عليه وسلم) «أنا من المبهورين والمعظمين لمحمد، فهو الذي اختاره الله لتكون آخر الرسالات على يديه، ويكون هو كذلك آخر الأنبياء، فيكفيه فخرًا وشرفاً أنه خلص أمة ذليلة همجية دموية من مخالب شيطان العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وإن النبي محمد من عظام المصلحين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة، ويكفيه شرفاً أنه هدى أمة برمتها إلى الحق».

أما لامارتين (1790-1869) المفكر والأديب الفرنسي فقد أصدر كتابا عن حياة محمد، وقد تعرض لحملة عدائية من طرف المفكرين الفرنسيين لما تضمنه من آراء مدافعة عن الإسلام وعن سيرة الرسول والصحابة لتقريب الديانة الإسلامية إلى عقول الفرنسيين، وكانت مؤسسة جائزة سعود عبدالعزيز البابطين بالكويت قد أصدرت ترجمة لهذا الكتاب للدكتور محمد قويع.

ويقول الأديب البريطاني برنارد شو (1856-1950م) «إنني أكن للدين الإسلامي تقديراً بالغاً نظراً لحيويته الرائعة، فهو الدين الوحيد الذي يبدو لي أنه يملك القدرة على استيعاب المرحلة المتغيرة من الوجود التي يمكن أن تكون جذابة لكل عصر، وعلى العالم أن يعلق قيمة كبيرة على توقعات الرجال العظام أمثاله... ولو كان لرجل مثل محمد أن يحكم العالم الحديث لاستطاع حل مشكلاته بطريقة تحقق له السلام والسعادة، اللذين يحتاج إليهما العالم بصورة ملحة... وقد تنبأت لدين محمد بالقبول في أوروبا مستقبلا، وقد أصبح مقبولا حاليا في أوروبا».

ويقول مايكل هارت في كتابه «الخالدون المئة» من العظماء وأعظمهم محمد: «إنه أعظم سياسي عرفه التاريخ، وإن محمدا، عليه الصلاة والسلام، هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي... وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينيا، وبعد 13 قرناً من وفاته فإن أثر محمد علی الصلاة والسلام لا يزال قويا متجدداً... وكان البدو من سكان شبه الجزيرة مشهورين بشراستهم في القتال، وكانوا ممزقين أيضا رغم أنهم قليلو العدد، ولم تكن لهم قوة أو سطوة العرب في الشمال الذين عاشوا على الأرض المزروعة، ولكن الرسول استطاع لأول مرة في التاريخ، أن يوحد بينهم وأن يملأهم بالإيمان، وأن يهديهم جميعاً بالدعوة إلى الإله الواحد».

الهدف الثاني من تجديد الخطاب الديني هو مواجهة السوس الذي بدأ ينخر في عظام الأمة الإسلامية في انتشار جماعات التكفير والهجرة، فهم أكثر عداوة وأشد قسوة وشراسة وإساءة الى الإسلام من أعداء الإسلام في الغرب.

الجهاد وثورة المعلومات

مواجهة هؤلاء بتجديد الخطاب الديني في الجهاد، في عصر المعلومات، بأن الطريق أصبح سهلاً وميسوراً لنشر الإسلام في العالم كله، وقد أصبح قرية صغيرة، من خلال وسائل الإعلام، من خلال التواصل بالإنترنت وغيرها من تقنيات ثورة المعلومات.

ولم تكن الفتوحات الإسلامية، في عصر النبوة والخلافة الراشدة إلا دفاعاً عن الدين ورداً لعدوان الكفار على النبي وأصحابه، حيث كانت الثورة الإسلامية هي الأعظم في ثورات التاريخ كله، ثورة بيضاء أعلنت الإخاء والمساواة، في أعلى مستوياته بين الأسياد والعبيد بما لم تصل اليه الثورة الفرنسية (1789م)، وكانت الثورة الإسلامية الأسبق تاريخا في إعلان المبدأ الديموقراطي المعاصر، سيادة الأمة، في قول المولى عز وجل «وأمرهم شورى بينهم».

«حماس» وتجديد الخطاب الديني

وقد استطاعت المقاومة الإسلامية الفلسطينية التي اعتبرها الغرب وبعض البلاد العربية من جماعات الإرهاب، إرضاء لاسرائيل ربيبته، أن تجدد الخطاب الديني السياسي، أمام العالم كله، بالمقاومة الوطنية المشروعة للاحتلال الإسرائيلي، في طوفان الأقصى، في السابع من أكتوير من العام الماضي، وأن تبهر العالم أجمع، بروح الإسلام وجوهره في التسامح والغفران بالرعاية التي شملت بها الرهائن والأسرى الإسرائيليين، صحيا وإنسانيا ومعيشيا، بل في تسليمهم الى الصليب في الهدنة الأولى في الوقت الذي يرزح فيه الأسرى الفلسطينيون تحت صنوف وألوان من التعذيب في سجون إسرائيل.

كما بهرت العالم أجمع ببسالتها وشجاعتها وصمودها لتسعة أشهر أمام الترسانة العسكرية العالمية، التي تزود الجيش الإسرائيلى، بأحدث أسلحة الفتك والتدمير للإنسان والحجر في حرب الإبادة الجماعية، الأكثر في دمويتها وفظاعتها وحجمها، من أكثر الحروب فتكاً بالبشرية، في الوقت الذي لا تملك فيه «حماس» إلا الأسلحة الخفيفة التي يخرج بها شبابها من الأنفاق، والأهم والأعظم من ذلك الإيمان بشعبها وحقه في حياة كريمة.

في الوقت الذي تطالع العالم من داغستان، هجوم بالرصاص على كنيستين مسيحيتين ومعبد يهودي في هذا البلد، لتسيء هذه الهجمات الإرهابية، للإسلام والمسلمين، وللقضية الفلسطينية، التي نجحت حركة حماس الإسلامية في إحيائها بعد موات، بالكشف عن زيف الادعاء، بأن إسرائيل دولة ديموقراطية، تبحث عن الأمن والسلام، في أرض الميعاد وقد غص مطار إسرائيل الدولى في الثامن من أكتوبر الماضي، بجموع من الإسرائيليين لمغادرة إسرائيل، لعدم انتمائهم إلى هذه الأرض أصلاً، فهم من المغامرين، الذين نزحوا من بلادهم، ليحتلوا أرض غيرهم، يسومون أهلها العذاب والظلم والقتل والتشريد والتنكيل، باعتبارهم قاعدة عسكرية للاستعمار الإمبريالي العالمي.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.