من المعلومات التي كانت حتماً موضع اهتمام القراء بالكويت تلك المتعلقة «بالمملكة العثمانية»: ويقول كتاب «الهيئة البهية في الكرة الأرضية» إن هذه المملكة تسمى «تركيا»، وهي بلاد واسعة في آسيا وأوروبا وإفريقيا، «ولتركيا في آسيا مقام عال في التاريخ، ففيها نشأ الجنس البشري ومنها انتشرت الأمم والأديان العظيمة، وقد نقل الأوروبيون منها بعض الحيوانات والنباتات النافعة».

وعن نظام الدولة العثمانية يقول إن رأس تركيا، (جلالة السلطان) «وهو يختار الموظفين ويعزلهم، والسلطان رأس الإسلام الديني وله لقب «خليفة» ويدعى أمير المؤمنين، وعاصمة تركيا «القسطنطينية» أو الآستانة وتسمى إستنبول فيها يقيم جلالة السلطان محمد الخامس جلس على عرش المملكة سنة 1909 وفيها دار الحكومة المعروف «بالباب العالي»، ويتلو السلطان في الحكومة «الصدر الأعظم» وفي الأمور الدينية شيخ الإسلام، ورتبها ثلاثة أنواع دينية وملكية وعسكرية». (الهيئة البهية، ص37).

Ad

ونورد كل هذه المعلومات لاستعادة شيء من روح ثقافة كتب «المكتبة الأهلية»، ونظرة أهل ذلك الزمان!

ويبين د.عايد حرص مؤسسي المكتبة على تنويع المصادر المعرفية وتوفير الكتب التي لا تتفق وميول بعض المؤسسين، فيلاحظ: «أن من بين كتب المكتبة كتباً لا تتفق مع توجهات القائمين على المكتبة، والذين وفروها حتى يطلع المهتمون بالتعرف على التوجهات الدينية والثقافية والفكرية المتنوعة، وهو ما لعب دوراً هاماً في تثقيف رجال الإصلاح الكويتيين، ومن أبرزهم في ذلك الشيخ عبدالعزيز الرشيد الذي كان له دور في إصلاح كل من كان يحمل توجهات وعقائد وأفكاراً تخالف الدين الإسلامي». (ص109).

وهكذا أصبحت المكتبة بيئة ثقافية يلتقي فيها القراء والباحثون وطلاب المعرفة وتجديد المعلومات.

وينقل د.عايد عن الأديب «خالد البدر» ما جاء في لقاء معه أجري عام 1984 تذكّر فيه الأديب بدايات تردده على المكتبة الأهلية: «لقد أرسلني الأهل إلى البصرة للدراسة عام 1921م، وكنت في فترة الصيف وعند انتهاء الدراسة أرجع للكويت وكان عمري حوالي ثلاث عشرة سنة حين بدأت أتردد على المكتبة الأهلية، وهناك تقابلت مع الشيخ يوسف القناعي والسيد خالد أحمد المشاري والسيد محمد أحمد الغانم والسيد صالح الفلاح والسيد محمد البراك، الذي كان أكثر المترددين على المكتبة، وكان له طابع خاص في الحديث وجمع المعلومات، وكان من المترددين على المكتبة أيضاً خالد سليمان العدساني وسليمان العنزي، ومحمود عبدالرزاق الدوسري». (المكتبة الأهلية، ص109).

واشتهرت المكتبة الأهلية خارج الكويت كذلك بعد أن لفتت انتباه زوار الكويت من الشخصيات العربية الأدبية والرحالة.

ويقول د.عايد: «لقد سجل الرحالة الذين مروا في الكويت ما شاهدوه من تحسن في الأوضاع الثقافية، وكان من بينهم الرحالة أمين الريحاني الذي قال: مهما كان من أمر الكويت ومشاكلها التجارية والسياسية، فإن فيها غير التجارة ثروة وغير اللؤلؤ كنزاً، فيها ذكاء وجرأة وأدب، شاهدت منه نماذج جميلة في الحفلات التي أقيمت هناك وفي المجالس، كما يضيف الريحاني أنه مهما كان من منزلة الشيخ أحمد الجابر في السياسة فإنه في المساعي الثقافية مذكور، وسيعرف عهده بعهد النهضة والثقافة التي تشرّف العاملين في سبيلها، أجل إن في الكويت نهضة لها ركنان (المكتبة الأهلية) و(المدارس)، وهي تتغذى فوق ذلك بما تثمر العلوم والآداب العصرية في سورية ومصر، ثم تبث روحها في أنحاء البلاد التي لا تصل إليها الجرائد والمجلات». (ص110).

غير أن الظروف لم تكن كلها في صالح المكتبة وازدهارها، إذ عانت كذلك من تردي الأوضاع الاقتصادية المحلية والدولية التي مرت بالبلاد قبيل منتصف القرن العشرين، وباتت تتعثر في سيرها، وقد تضاءلت ميزانيتها، واستقال بعض أعضاء مجلس إدارتها لرغبتهم العمل في التجارة، ونقلت المكتبة إلى «المدرسة الأحمدية» في إحدى محاولات الإنقاذ، ويقول الباحث إن الفترة ما بين 1928 و1935 من عمر المكتبة الأهلية، اتسمت «بفتور الحماس تجاه نشاطها، الأمر الذي انعكس في تناقص أعداد كتبها، وقلة عدد الرواد، وعدم استقرار المكتبة في مكان واحد، وعندما نقلت المكتبة إلى المدرسة الأحمدية بقيت كتبها هناك مدة طويلة وتعرضت الكثير من الكتب للتلف والضياع». (ص115).

ويوافق د.عايد الجريد الناشر الأديب يحيى الربيعان، في أن البلاد خلال هذه المرحلة عانت من ظروف بالغة السوء، وبخاصة مع تدهور تجارة اللؤلؤ، بعد تطوير اليابانيين طريقة لزراعته، فتدهور الإقبال على اللؤلؤ الطبيعي وتراجعت موارده المالية.

كما ازداد الوضع الثقافي تراجعاً أيضا بعد تعثر المشروع الثقافي الموازي أي مشروع «النادي الأدبي»، عام 1924 الذي أغلق عام 1927 بسبب الظروف المالية واشتداد الخلافات والنزاعات بين أعضائه.

ونتيجة لتردي أوضاع المكتبة تشكلت لجنة لإنقاذها، مكونة من «الشيخ يوسف القناعي» و«السيد علي بن السيد سليمان» والسيد «عبدالله الصقر» والسيد «مشعان الخضير» وآخرين، وذلك لإقامة مبنى لها في شارع الأمير «وكانت من أبرز الداعمين لمساعي الإنقاذ السيدة شاهة الحمد الصقر التي تبرعت للمكتبة بدكان كانت تملكه في «قيصرية التجار»، وأضافت إليه محالا استأجرتها من أصحابها لمدة طويلة، وأحصيت الكتب المتبقية فإذا هي لا تتجاوز 200 كتاب معظمها مقطع الأوصال بعد أن كانت كتبها أكثر من 1500 كتاب».

ويتابع د.عايد تطور إدارة المكتبة في كتابه حتى انتقالها الى بناية ثنيان الغانم في الشارع الجديد عام 1950، حيث افتتحت لزيارة الجمهور واستفاد منها في أبريل ومايو 1952 بموجب سجل الزيارات 1935 زائراً.

ويحاول د.عايد في نهاية الدراسة أن يدرس تأثير المكتبة الأهلية في المجتمع الكويتي والحياة الثقافية، ويرى الباحث في نهاية الدراسة أن المكتبة كانت من العوامل المؤثرة في المجتمع الكويتي.

فقد انطلقت بتأثيرها، فيما يرى الباحث، أول بعثة دراسیة كويتية عام 1924 الى «بغداد» كما ظهر العديد من الأنشطة الثقافية في المدارس، وساهمت المكتبة الأهلية في رفع المستوى الثقافي في الكويت وبخاصة بعد قيام «النادي الأدبي» عام 1924، التي نظمت فيها أول محاضرة في تاريخ الكويت.

ومن ملاحظات الباحث أن «المكتبة الأهلية» أثرت كذلك في تنشيط حركة التأليف، وتعلم اللغات الأجنبية بعكس من كان يدعو الى تحريم هذه اللغات، كما كان للمكتبة الأهلية أثرها في ظهور الصحافة الكويتية عام 1928 على يد المؤرخ «الرشيد».

وتحتاج خاتمة الكتاب في اعتقادي إلى ترتيب جديد وربط بين معطيات التجربة الثقافية للمكتبة وما مرت بالمكتبة من ظروف من جهة التمويل ودور الحكومة أو التجار.

تحدثت المراجع التاريخية الكويتية عن المكتبة الأهلية، فجاء في كتاب «تاريخ الكويت» لعبدالعزيز الرشيد في معرض حديثه عن عصر الشيخ أحمد الجابر الصباح (1921-1950) أن المدرسة الأحمدية من أعظم منجزاته ثم ضم إلى حسناته افتتاح المكتبة الأهلية والنادي الأهلي، «هذان المشروعان النفيسان اللذان لا يقلان عن المدرسة في التأثير والفائدة لا سيما وقد تبرع الأمير الجليل بكثير مما يرد باسمه الكريم من الجرائد والمجلات للأخير».

(تاريخ الكويت بشرح وتحقيق خالد الرشيد، 2024، ص479).

ويقول المؤرخ «سيف مرزوق الشملان» عن المكتبة الأهلية إن نواتها كانت الكتب التي جمعت للجمعية الخيرية «التي تأسست في عهد الشيخ مبارك الصباح في شهر ربيع الأول سنة 1331هـ - سنة 1913م وفي سنة 1341هـ، سنة 1923م قام جماعة من الكويتيين وعلى رأسهم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي بتأسيس المكتبة الأهلية، وكان رئيسها الشيخ يوسف، ومديرها المرحوم سلطان بن إبراهيم الكليب، ثم بعد ذلك لما تأسست إدارة المعارف ضمت المكتبة الأهلية إليها وأصبحت تسمى مكتبة المعارف، وهي الآن كبيرة لها فروع».

(من تاريخ الكويت، سيف مرزوق الشملان، 1986، ص202).

وقال المؤرخ فى القبس، 22/10/2021، بأنه «ترك الدراسة عام 1952 إلا أنه التزم قراءة الكتب والمقالات عن تاريخ الكويت في مكتبة المعارف».

يبقى أن نشكر «د.عايد عتيق الجريد» على ما بذله من جهد واضح في إعداد هذه الدراسة الشاملة لأول مكتبة عامة في الكويت، وما تركه روادها من أثر في توجهات في تاريخ الكويت المجتمع والحياة الثقافية، بعد إنشاء «أول مكتبة عامة ومشروع ثقافي في تاريخ الكويت».