البنك المركزي... إشكالية مجاراة «الفدرالي» و«نسيان الدور الحقيقي»
تتردد إعلامياً بعض المصطلحات لوصف سلوك وأداء بعض المؤسسات بشكل يوحي أنه وصف أو صفة لا يمكن فصلها عن الموصوف بها، ومنها وصف سياسات البنك المركزي بـ «الحصافة»، فهل تدار سياسات البنك فعلا بشكل حصيف؟
نطرح هذا التساؤل، نظراً لما تعرّضت له اقتصادات العالم من حالة «عدم اليقين»، كنتيجة لأحداث غير مسبوقة ابتداء بالتوترات الجيوسياسية وانتهاء بالتضخم وارتفاع تكلفة الديون نتيجة لسياسات نقدية متشددة.
وقد وضعت هذه التحديات، في ظرف سنوات قليلة، البنوك المركزية في اختبارات حقيقية تقيس مدى كفاءتها وحصافتها في إدارة تلك الملفات الشائكة من خلال الأدوات المتوافرة لديها. لذلك نسلّط الضوء في هذه المقالة على سياسات البنك المركزي من حيث الأدوات التي تم استخدامها والمبررات والآثار على اقتصاد الدولة بشكل كامل.
فمن المعلوم أن الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تتّبع نظام سعر صرف سلة عملات بمبررات «المرونة في السياسة النقدية» وتجنّب مخاطر الربط بعملة رئيسية واحدة. ورغم ذلك، قام «المركزي» بمجاراة «الفدرالي»، تماماً كما فعلت بقية دول الخليج بدواعي الحفاظ على «جاذبية العملة المحلية كوعاء موثوق للمدخرات المحلية، إضافة إلى تكريس الاستقرار النقدي والمالي»، حيث يبرر تلك المجاراة برغم اختلاف سياسة سعر الصرف بمخاوف من استغلال هامش الفرق في أسعار الفائدة بين الدينار والدولار، بناء على افتراض بأن سلوك المستثمرين سيتجه الى الودائع المقومة بالدولار، وأن السيولة المتوافرة في السوق جميعها ستذهب بهذا الاتجاه.
وعلى افتراض صحة تلك المخاوف، وأن الدينار كان معرّضاً للانهيار، هل يجهل البنك المركزي أو يغيب عنه وجود أدوات أخرى للحفاظ على سعر صرف العملة في حال تعرّضها للمخاطر؟
وهل يعتقد القائمون عليه أن استقرار العملة المحلية هو أمر متعلق فقط بسياسة سعر الصرف؟! والأهم من هذا كله، هل هذه المجاراة التامة من مصلحة الاقتصاد المحلي وظروفه الخاصة؟
وأن «المركزي» يذكر على صفحته الرسمية أن مبرر عودته الى هذه السياسة «سلة عملات» في عام 2007 كان بهدف المحافظة على القوة الشرائية للعملة الوطنية واحتواء آثار الضغوط التضخمية على الاقتصاد المحلي، بينما يشير «المركزي» نفسه في أحد تقاريره الرسمية إلى أن التضخم الموجود حالياً هو نتيجة لتضخم مستورد! علماً بأن الدول الرئيسية في علاقاتها التجارية مع الكويت شهدت تراجعاً ملحوظاً في معدلات التضخم، كان آخرها بالمملكة المتحدة، حيث بلغ 2 بالمئة على أساس سنوي.
كذلك شهدت معظم دول الخليج تسجيل معدلات تضخم أقل من الكويت، رغم اتباعها لسياسة سعر صرف مرتبطة بالدولار، ورغم تشابه اقتصاداتها مع اقتصادنا المحلي، بينما لا يزال التضخم في الكويت مرتفعاً، حيث سجل مؤشر أسعار المستهلكين في الكويت 3.17 بالمئة على أساس سنوي في مايو.
ونتيجة لذلك، نعتقد، وفقاً للأرقام التي ذكرنا أعلاه، ووفقاً لغياب أي دور إعلامي برغم الأحداث الاقتصادية الاستثنائية طوال عامين أن «المركزي» لم يكن حصيفاً، حيث لم ينجح في كبح التضخم، ولم يحافظ على نمو ائتماني متوازن، بل استمر التضخم طوال عامين، فأصبح المواطن يعاني الأمرّين، من جهة تضخم، ومن جهة أخرى أسعار فائدة مرتفعة وغير مسبوقة تاريخياً.
كما أنه من الواضح أن مجاراة سياسات «الفدرالي» بنيت على افتراض بالغ في تجاهل العوامل الأخرى، إضافة إلى أنه تجاهل الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات على الاقتصاد ككل.
لذلك، يجب تذكير «المركزي» بأن دوره هو ليس فقط اختيار سياسة سعر صرف معيّنة أو مجاراة سياسات بنوك مركزية عالمية، متجاهلا آثارها على الاقتصاد المحلي ورؤية الدولة وإنما دور «المركزي» الأساسي هو في تنظيم سياسة الائتمان من خلال الأدوات المتنوعة التي يمتلكها من أجل خلق نمو يراعي كل القطاعات، وليس «توظيف المتغيرات الخارجية لخدمة قطاع معيّن بمبررات أثبتت الأيام المبالغة في تضخيم آثارها المتوقعة مستقبلا».
أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث - المملكة المتحدة