في الصميم: العلم يبني بيوتاً لا عماد لها
«الشال» نشرت مؤخراً تقريراً مهماً عن التعليم، وصفت فيه حال التعليم بالكويت بعد التحرير، ذاكرة أن «الحكومة بعد التحرير بدأت هدمه لشراء الولاءات بإعلان مشروع ادرس سنة وتخطَّ سنتين»، التقرير طبعاً لم يفاجئنا حين ذكر أن وزيراً سابقاً روى في مقابلة تلفزيونية أنه عندما كان عضواً في مجلس الجامعة خلال التسعينيات تم رفض قبول مجموعة من الدكاترة ممن يحملون شهادات ضعيفة، إلا أنهم قُبِلوا بعد اتصال مباشر من مسؤول «كبير جداً»، بداعي أنهم «عيالنا»، ولابد الآن أن تلاميذهم قد تسلّموا مناصب قيادية في الدولة، وهذا يفسر وضع الكويت الآن.
أنا شخصياً من المهتمين بالتعليم، ومازلت، وكنت أمين سر، ثم رئيساً للجمعية الكويتية لمساعدة الطلبة، جمعية الخليج والجنوب العربي سابقاً، وعلى مدى 15 عاماً قمت بزيارات اطلعت خلالها بنفسي على مخرجات تعليمية لجامعات ومعاهد علمية في بلاد عربية كثيرة، منها فلسطين، والأردن، ومصر، وموريتانيا، واليمن، وعمان وغيرها، ساعدنا وابتعثنا في حينها أعداداً كبيرة من الطلبة العرب المتفوقين علمياً، ولم نرَ ولم نلاحظ يوماً أن أحداً منهم قد حصل على نتائج فلكية كما هي في الكويت، ومع هذا معظمهم متفوقون، ويتمتعون بقدرات علمية وتعليمية متميزة، ومخرجات التعليم مرتفعة بشكل ملحوظ، وليست كما هي في الكويت.
شخصياً كتبت، كما كتب غيري، العشرات من المقالات، نحذر فيها من عواقب تردي مخرجات التعليم، كما حذر الكثيرون من رجال التعليم وخبرائه، ومن المتمرسين فيه من التقهقر التعليمي الواضح في الكويت، كما أنهم استنكروا واستغربوا من المبالغة غير المنطقية في ارتفاع نتائج امتحانات الثانوية العامة، التي أدت إلى حصول مئات من الطلبة على نسبة 100%، وأكثر منهم على نسب تراوحت بين 99% مع كسورها ونسب 97% وما فوقها، وهي نسب فلكية لم نرها في غير الكويت.
مخرجات تفوّق تبين أنها فعلاً زائفة، بعد أن كشفتها اختبارات القدرات، كما كشفها رفض قبولهم من جامعات محترمة خارج الكويت، بعد فشلهم في الحصول على المستوى التعليمي الحقيقي المقبول عندها، هذا التفوق الزائف هضم حق الطلبة المجدّين المجتهدين الحقيقيين، وحرمهم من حقهم في البعثات الدراسية.
نقول: الأمم لا تعلو ولا تتقدم إلا بالعلم، وعلامات تأخرها وتقهقرها لا يمكن أن تخطئها العين، فأولى علاماتها مخرجات تعليمية متدنية وضحلة، نتيجتها تسربهم إلى مفاصل الدولة، وعاقبتها فساد وسوء إدارة، واستفحال الغش والتزوير.
ولابد لنا أن نكرر هنا رسالة معبرة وناصحة بأن «تدمير أي أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ بعيدة المدى، ولكن يحتاج إلى تخفيض نوعية التعليم، والسماح للطلبة بالغش، فيموت المريض على يد طبيب نجح بالغش، وتنهار البيوت على يد مهندس نجح بالغش، ونخسر الأموال على يد محاسب نجح بالغش، ويموت الدين على يد شيخ نجح بالغش، ويضيع العدل على يد قاضٍ نجح بالغش، ويتفشى الجهل في عقول الأبناء على يد معلم نجح بالغش».
فانهيار التعليم انهيار للأمة كما قال أحمد شوقي:
العِلمُ يَبني بُيوتاً لا عِمادَ لَها
والجَهلُ يَهدِمُ بَيتَ العِزِّ والكَرمِ
ابن قتيبة، وهو أبومحمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدِّينَوَرِيُّ، الأديب والفقيه في زمن دولة بني العباس قال: «لا يزال المرء عالماً ما دام في طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم، فقد بدأ جهله»، أما الإمام الشافعي فقال: «العلم ما نَفَع، ليس العلم ما حُفِظ».
أما جورج برنادشو فقال في الصميم: «احذر من العلم الزائف، فهو أخطر من الجهل».