إيران: مقاطعة 60% للانتخابات انقلاب شبابي على التقليديين
كما كان متوقعاً لم يستطع أي من المرشحين للانتخابات الرئاسية المبكرة في إيران الفوز من الجولة الأولى، لكن نتيجة الاقتراع الذي جرى الجمعة الماضي عكست شرخاً كبيراً في الشارع الإيراني تَمثل في امتناع نحو 60 في المئة من الناخبين عن المشاركة.
وكان لافتاً أن رئيس مجلس الشورى «البرلمان» محمد باقر قاليباف ممثل التيار الأصولي التقليدي، حصل على حوالي 3 ملايين صوت فقط، بما يعادل 5 في المئة من مجموع أصوات الناخبين الذين يقدر عددهم بأكثر من 65 مليوناً.
وحصل مصطفى بورمحمدي، الذي يمثل التيار التقليدي لرجال الدين في مدينة قم، ويتزعم حالياً تحالفاتهم السياسية، على حوالي 200 ألف صوت، أي أقل من 0.5 في المئة من الأصوات، وهذا ما تم تفسيره بحيازة طبقة رجال الدين التقليديين أقل من 1 في المئة من الإيرانيين.
في المقابل، حصل سعيد جليلي الذي يمثل التيار المتشدد الجديد على حوالي 9.5 ملايين صوت، بما يعادل 13 في المئة من أصوات الناخبين، في حين حصل مسعود بزشكيان، الذي قام بتمثيل التيار الإصلاحي التقليدي على حوالي 10.5 ملايين صوت، بما يعادل تقريباً 17 في المئة.
وتمثل كل الأصوات الصحيحة المحسوبة نحو 36 في المئة من الناخبين، حيث ألغي نحو 4 في المئة من الأوراق لأسباب متعددة.
وحسب الدستور الإيراني لا تأثير لنسبة المشاركين في الانتخابات، ومن يحصل على الأكثرية النسبية في الدورة الثانية فسيصبح رئيساً للجمهورية، ما يعني أنه من الممكن أن تحصل إيران على رئيس جمهورية جديد الأسبوع المقبل لديه بحدود 20 في المئة من أصوات الناخبين، وهذا يعني فاجعة بالنسبة لنظام يؤكد أنه يعتمد على إرادة الشعب.
ويعزو العديد من المحللين عدم الإقبال هذا إلى فشل الحكومات الإيرانية السابقة في تنفيذ وعودها، وأن كل المرشحين لانتخابات الرئاسة كانوا ضليعين في هذا الفشل.
علاوة على ذلك، تجنب المرشحون الكلام عن طروحات سياسية واقتصادية واجتماعية للتحديات الكثيرة التي تواجهها البلاد، واكتفوا بطرح المشاكل وتقديم الوعود بحلها دون شرح كيف سيتم ذلك.
وعلى الرغم من أن جميع المرشحين تعهدوا بالعمل لحل مشكلة العقوبات لكنهم جميعاً تجنبوا الكلام عن تصوراتهم لحل خلافات إيران مع الولايات المتحدة والغرب.
وتجنب المرشحون الأصوليون وبزشكيان التطرق إلى أحد أكثر الموضوعات حساسية في الشارع الإيراني وهو الحجاب الإلزامي.
وأظهرت النتائج خسارة الإصلاحيين التقليديين قسماً كبيراً من نفوذهم في الشارع وأيضاً مقاطعة غير مسبوقة للناخبين المحافظين للتصويت، في حين تحدث كثير من الخبراء عن المزيج الغريب من المرشحين الذين اجتازوا مقصلة مجلس صيانة الدستور، فبزشكيان نائب مغمور، ولديه صعوبة في التحدث بالفارسية بسلاسة وسجله التنفيذي ضعيف، بينما بورمحمدي متهم بالتسبب في إعدام الآلاف من معارضي النظام.
أما المرشحون الأصوليون الأربعة، أي سعيد جليلي، ومحمد باقر قاليباف، وعلي رضا زاكاني، وأمير حسين هاشمي، فقد شاركوا جميعاً في انتخابات رئاسية سابقة وكان الشعب قد رفضهم في تلك الانتخابات، لكن النظام أصر مجدداً على أنهم مرشحوه، وأن على الشعب أن يختار أحدهم، وفي مقابل ذلك رد الشعب بالامتناع عن التصويت.
من جهة أخرى، تشير التوقعات إلى أن أقصى ما يمكن لجليلي الحصول عليه في الدورة الثانية هو ما حصل عليه في الدورة الأولى، إضافة إلى بعض أصوات أنصار قاليباف وليس جميعهم.
وهذا يعطي لبزشكيان فرصة ذهبية لجذب آراء المترددين والرماديين والجيل «زد»، بسبب أن هؤلاء يكرهون جليلي المتطرف المتشدد بشكل كبير، لكن عليه أولاً أن يقدم أداء سياسياً وشخصياً أفضل، ويقدم طروحات سياسية حقيقية لا مجرد شعارات شبع منها الإيرانيون.
وأياً كانت هوية الرئيس المقبل، فالمؤكد أن البلاد تخطت الإصلاحيين والأصوليين كما تخطت اليسار واليمين في بداية الثورة، ويبحث الجيل الشاب من شتى الاتجاهات الفكرية عن خط فكري يرضيه وإذا لم يجد هذا الخط الفكري داخل البلاد وامتنع النظام عن فسح المجال للتيارات الفكرية الجديدة لكي تدخل الساحة السياسية فإنه سوف يبحث عنها خارج البلاد، خصوصاً بوجود وسائل التواصل الاجتماعي التي وصلت العالم بعضه ببعض.