رغم أن الأضواء كانت مسلطة بالفعل، منذ أشهر طويلة على الحالة الجسدية والإدراكية للرئيس الأميركي جو بايدن، فإن مشاهدة أدائه على مدى 90 دقيقة في المناظرة الرئاسية الأولى التي خاضها ليل الخميس ـ الجمعة مع سلفه دونالد ترامب، وضعت الديموقراطيين أمام لحظة الحقيقة فيما يخص السؤال الأهم في معركتهم الانتخابية لهذا العام، وهو: هل من المناسب والمفيد والمقبول الرهان على قدرة الرئيس البالغ 81 عاماً على خوص السباق الانتخابي ومشاقّه والفوز به، ثم حكم الولايات المتحدة أربع سنوات مقبلة.
وفور انتهاء المناظرة وفي وقت كانت السيدة الأولى جيل بايدن لا تزال تشيد بأداء زوجها، بدأت الدعوات من معلقين ووسائل إعلام «صديقة» للبيت الأبيض والديموقراطيين تتوالى لضرورة أن يبادر الديموقراطيون ومن دون تأخير إلى استبدال بايدن.
وبعد ساعات من الذعر التام والصمت المطبق، وجد بايدن أول دفعة من الدعم من شخصيات الحزب التاريخية مثل الرئيسين السابقين باراك أوباما وبيل كلينتون، وبحلول أمس الأول، بدا أن جناحاً قوياً في الحزب قرر الاصطفاف خلف بايدن، الذي عبّر في خطابات ألقاها عقب المناظرة عن تمسكه بترشيحه.
في هذا السياق، قال حكيم جيفريز زعيم الديموقراطيين في مجلس النواب: «أعتقد أن أي انتكاسة ما هي إلا تمهيد لعودة ما، لذا فاللحظة التي نعيشها الآن هي لحظة عودة». واتفق معه جيمس كلايبيرن، وهو مشرع ديموقراطي بارز آخر في مجلس النواب، معتبراً أن «على بايدن أن يبقى في هذا السباق، وينبغي أن يوضح جلياً من الآن فصاعداً أنه قادر على قيادة البلاد».
ورغم أن السناتور الديموقراطي عن ولاية جورجيا رافاييل وارنوك يُعتبر من بين البدلاء المحتملين لبايدن، فإنه رفض الدعوات إلى انسحاب أو استبدال بايدن، معقباً: «يجب ألا ينسحب على الإطلاق ومن واجبنا التأكّد من وصوله إلى خط النهاية في نوفمبر، لا لمصلحته بل لمصلحة البلد».
في المقابل، وبحسمٍ، أكدت حملة الرئيس، في مذكرة، أنه لن ينسحب من السباق، وأن «جو بايدن سيكون هو المرشح الديموقراطي، نقطة. نهاية القصة»، معقبة: «لقد صوت له الناخبون، لقد فاز بأغلبية ساحقة، وإذا انسحب فسيؤدي ذلك إلى أسابيع من الفوضى والاقتتال الداخلي، ومجموعة من المرشحين الذين يخوضون معركة وحشية على الأرض في المؤتمر، وكل ذلك بينما يكون لدى دونالد ترامب الوقت للتحدث إلى الناخبين الأميركيين دون منازع».
والسؤال الذي يطرحه الجميع هو: هل يعبر إعلان الحملة وتصريحات القيادات الديموقراطية عن موقف الحزب النهائي من مسألة استبدال بايدن؟ والجواب الأكثر وضوحاً على ذلك حتى الساعة هو أن الوضع لا يزال شديد الضبابية، فبحسب تقرير لـ «سي إن إن» ألمحت شخصية ديموقراطية واحدة بارزة علناً إلى تحركٍ ما ضد بايدن خلف الكواليس، إذ قال النائب عن ولاية ماريلاند جيمي راسكين إن الحزب كان يجري «محادثة جادة جداً حول ما يجب فعله»، مضيفاً: «سواء كان (بايدن) مرشحاً أو كان شخصاً آخر هو المرشح، فإنه سيكون المتحدث الرئيسي في مؤتمرنا».
وأضافت «سي إن إن» أن قادة آخرين في الحزب لم تسمهم أبدوا مخاوفهم بشأن إمكانية فوز مرشحهم بولاية ثانية، وأن كبار القادة الديموقراطيين الداعمين للرئيس ومستشاري حملة بايدن بدأوا بالفعل التفكير بجدية في كيفية التصرف في حالة اضطرارهم إلى مواجهة غير مسبوقة في المؤتمر الوطني الديموقراطي الذي سينعقد في شيكاغو بين 19 و22 أغسطس المقبل.
وأشارت إلى أن حاكمة ولاية ميشيغان غريتشن ويتمر، المرشحة الأبرز لاستبدال بايدن بعد نائبته كامالا هاريس، لفتت الأنظار بإطلاقها نداءً لجمع التبرعات الجمعة الماضي في توقيت أثار انتباه الكثيرين.
ولا يبدو أن الضغوط على بايدن ستخف قريباً فقد انضمت وسائل إعلام أخرى إلى المطالبات بانسحابه، في حين انتقد معلّقون، بالفعل، تمسك الديموقراطيين باستراتيجية تجاهل الانتقادات والتساؤلات المثارة حول قدرات الرئيس، وحرف الأنظار عنها والتركيز بدلاً من ذلك على فضح «أكاذيب» ترامب، والتحذير من مخاطر عودته إلى البيت الأبيض، وهي الاستراتيجية التي قال خبراء، إنها المسؤولة عن «فضيحة المناظرة».
وكان الرئيس الأسبق أوباما اعتبر أن المناظرات السيئة أمر طبيعي، وهو ما رددته كذلك رئيسة مجلس النواب الديموقراطية السابقة نانسي بيلوسي، التي قالت: «دعونا لا نحكم على الرئاسة من مناظرة واحدة»، بعبارة يُفهم منها ضمنياً أن أداء الرئيس قد يتحسن بشكل جوهري في مناظرة ثانية.
وفي إشارة إلى مدى عمق أزمة الديموقراطيين، أظهر استطلاع جديد أجرته شبكة «سي بي إس» بالتعاون مع يوغوف، بعد المناظرة، أن 72% من الناخبين المسجلين يعتقدون الآن أن بايدن لا يتمتع بالصحة العقلية والمعرفية اللازمة للعمل كرئيس. وهذا أعلى بسبع نقاط عما كان عليه قبل أسابيع من المناقشة، ورأى 28% فقط من الناخبين أن بايدن يجب أن يترشح للرئاسة، ويعتقد نحو 46% من الناخبين الديموقراطيين المسجلين أنه لا ينبغي له أن يكون كذلك.
وتبدو خيارات بايدن والديموقراطيين ضيقة جداً، إما انسحاب الرئيس وفق شروطه الخاصة واتفاق الحزب على مرشح آخر، أو تمسكه بخوض السباق وانقسام الحزب حول هذا القرار، وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة في المؤتمر الوطني للحزب، أو تمسك الرئيس بمواصلة المعركة وإجماع الحزب على دعمه.
ويشير مقربون من بايدن إلى صعوبة أن يتخذ الرئيس قرار الانسحاب بنفسه، خصوصاً أن مسيرته المهنية وحياته الشخصية كانت ترجمة عملية لكيفية السقوط ثم النهوض مجدداً بطريقة أقوى.
وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن عائلة بايدن، التي اجتمعت معه في كامب ديفيد، قد حثته على الاستمرار في الترشيح، لكن «سي إن إن» قالت، إن هذا الموقف ليس نهائياً، وإذا أظهرت البيانات هبوطاً حاداً في حظوظ الرئيس الانتخابية فقد تتخذ موقفا آخر لحثه على الانسحاب.
وفي حال قرر بايدن الانسحاب وفق شروطه، فيمكن للحزب الذهاب إلى الخيار الأسهل، وهو الاتفاق على تبني ترشيح نائبة الرئيس كامالا هاريس، وهذا يجنب الحزب معركة بين الأجنحة الأيديولوجية، كما يمكن لشعار «أول رئيسة سوداء» أن يضخ دماء انتخابية جديدة في أوردة الحملة الديموقراطية، خصوصاً لدى الأقليات العرقية التي تراجع دعم الديموقراطيين في صفوفها، لكن نقطة الضعف ستكون شعبية هاريس المنخفضة. وبالإضافة إلى هاريس هناك مرشحون آخرون يمكنهم توحيد الديموقراطيين، لكن الاحتمال قائم بقوة لاندلاع منافسات شرسة داخل الحزب تضعف فرصه للحفاظ على البيت الأبيض.
من جهة أخرى، إذا قرر بايدن الاستمرار في حملته وسط انقسام داخل صفوفه فقد يؤدي ذلك إلى مناورات سياسية كبيرة في صفوف الديموقراطيين. وسيتهم أي نجم ديموقراطي صاعد يحاول طرح نفسه كبديل بالخيانة من جانب الكثيرين في الحزب، وسيخاطر بمستقبله المهني، وقد يدفع كل ذلك إلى سيناريو كارثي يتمثل بمحاولة سحب ترشيح بايدن خلال المؤتمر الوطني في أغسطس.
وتقول الزميلة في معهد بروكينغز بواشنطن، إيلين كامارك،
لـ «نيويورك تايمز»، إنه يمكن سحب الترشيح إذا قررت أغلبية قوامها نحو 4 آلاف مندوب، أن بايدن ينبغي ألا يكون المرشح، وأن لديهم شخصاً أفضل، أو إجراء إنتخابات يجب على المرشح ان يفوز بها باكثر من ألفين صوتاً، وقد تؤدي هذه المعركة إلى نتائج كارثية للحزب تتعدى خسارة الانتخابات.
أما الاحتمال الثالث، وهو الأكثر ترجيحاً حالياً، فهو أن يستمر بايدن بترشيحه مع اصطفاف الحزب خلفه في ظل معارضة حزبية خافتة، وهو سيقود على الأرجح إلى خسارة الحزب للبيت الأبيض قد تمتد كذلك إلى مجلسي الكونغرس.