لطيف زيتوني: لا نمتلك نظرية عربية للنقد الأدبي
توقّع مستقبلاً روائياً مرموقاً لجيل الشباب الكويتي المعاصر
وفي حواره مع «الجريدة» تحدث عن رحلته النقدية ورؤيته للأدب الكويتي والعربي، وإلى نص الحوار:، ينشغل الناقد اللبناني الكبير، د. لطيف زيتوني، بترسيخ القيم والمبادئ السامية في نفوس الأجيال الأدبية الجديدة، متخذاً زوايا نقدية تركّز على دوافع وبواعث النص السردي، كما في أحدث كتبه «الرواية والقيم»، الذي عالج مسألة الروائي والرواية من منظور جديد هو المسؤولية.
وفي حواره مع «الجريدة» تحدث عن رحلته النقدية ورؤيته للأدب الكويتي والعربي، وإلى نص الحوار:
• ما تقييمك لحصاد رحلتك حتى الاستقرار والعمل بالجامعة اللبنانية/الأميركية في بيروت؟
- كل رحلة هي مشروع اكتشاف للواقع وتنوّعه وتعقيداته، واكتشاف للناس وسلوكهم وازدواجيتهم، وهي خصوصاً اكتشاف للذات وما تريد وما هو متاح. إنها رحلة صراع بين الطموح والظروف. فنحن لا نستطيع أن نحقق ما نريد إذا عاكستنا الظروف، ولا نقبل أن تقرر الظروف وجهة حياتنا. وهذا يعني أن رحلة الفرد إلى الموقع الذي سيستقر فيه معقّدة، إن كان من الطامحين. ولقد كرّست جهدي لتأمين أفضل الظروف لطموحي، فتابعت تعليمي في بيروت إلى أن نلت شهادة الدكتوراه في اللسانيات والترجمة، ثم سافرت إلى فرنسا وحصلت على دكتوراه الدولة الفرنسية في الآداب والعلوم الإنسانية، وهي شهادة كانت تمنحها الدولة الفرنسية قبل أن يؤول أمر الشهادات العليا إلى الجامعات، كما هي الحال اليوم. ثم التحقتُ بالجامعة اللبنانية ودرّست فيها بضع عشرة سنة، إلى أن تلقّيت عرضاً جيداً للتدريس في الجامعة اللبنانية/الأميركية. تقييمي لهذه الرحلة أنها كانت غنية، إذ وفّرت لي إمكانيات كبيرة لمتابعة التخصصات الجديدة، كما وفّرت وسائل البحث اللازمة، ومكّنتني من متابعة الجديد في مجال السردية النظرية الذي تنتمي إليه أبحاثي.
• من كتبك «حركة الترجمة»، و«سيمياء الرحلة»، و«معجم مصطلحات نقد الرواية» إلى كتابك «الرواية والقيم»، من يقرأ مؤلفاتك يبحر في لغة نقدية جميلة وفي المعرفة معاً. هل تجد أن اللغة الجميلة أكثر تأثيراً في المتلقي؟
- الأصل في اللغة أن تكون واضحة، لأن الأصل في الكتابة هو البيان، أي التعبير المفهوم الذي تحصل به الفائدة. جمال اللغة مع الوضوح يحققان الفائدة والمتعة معاً، وهذا مصدر التأثير الذي يتركانه في القارئ. غير أن اللغة الجميلة في النقد تختلف عن اللغة الجميلة في النصوص الأدبية. فالنقد اليوم علم، والعلم لا يرتاح إلى التصوير البياني، وينفر من المحسنات البديعية، ويكره الخطابة والتعبير الفضفاض الذي يحوم فوق سطح الفكرة. أسلوب النقد لا بدّ أن يكون مقتصداً دقيقاً يُلبس الفكرة لباساً على مقاسها.
• ما الرؤى النقدية التي خلصت إليها في كتابك: «الرواية العربية... البنية وتحوّلات السرد»؟
- لم أرسم رؤية نقدية في هذا الكتاب، بل سعيت إلى اكتشاف البنى العميقة لبعض المسائل التي يطرحها النقد العربي الحديث في تجلياته الأخيرة.
• بما أنك ممن يعملون في الحقل الأكاديمي، هل للغة البحث العلمي تأثير واضح على نتاج أعمالك النقدية المتنوعة؟
- في الحقل الأكاديمي لا نكتب بأسلوب واحد. ففي «معجم مصطلحات نقد الرواية»، على سبيل المثال، كان عليّ أن أحصر مصطلحات النقد الروائي، فلا تختلط بمصطلحات نقد القصة القصيرة، ولا بالمصطلحات الأدبية، ثم كان عليّ أن أضبط معاني المصطلحات انطلاقاً من مصادرها الأصلية، وأخيراً كان عليّ التزام الدقة العلمية. هذه الدقة التي طبعت تأليف المعجم، انعكست في أسلوب التعبير. في المؤلفات النقدية قد يختلف أسلوب التعبير لدى الناقد الواحد. لغة البحث في كتابي «وجهة النظر في الرواية» أشد صرامة من تلك التي استخدمتُها في كتاب «الرواية والقيم»، على سبيل المثال أيضاً. فلكل مجال بحثي لغته، أما أسلوب التعبير بين الطلاوة والجفاف، والوضوح والتعقيد، والتأني والعجلة، والدقة والإهمال، فهو ما يميّز كل باحث.
• ترك «أديب نوبل»، نجيب محفوظ، إرثاً روائياً يدل على أمكنة محددة في القاهرة، برأيك هل نجح الروائيون اللبنانيون والعرب، من خلال رواياتهم، في إنشاء عالم يمكن الإحالة إليه؟
- بالتأكيد. هناك الكثير من الروايات العربية الحديثة تعطي للمكان مساحة واسعة تصويرية وتعبيرية، بل هناك روايات عربية يمثّل المكان فيها الشخصية الرئيسية، واقعياً ورمزياً، مثل «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، فهذه العمارة هي بناية حقيقية بالقاهرة، وهي، في الوقت عينه، ترمز إلى القاهرة وتعكس مجتمعها. ولا ننسى روايات إبراهيم الكوني التي جسّدت عالم الصحراء. أما في لبنان فهناك روائيون رسموا عالم بيروت، مثل حسن داود ومحمد أبي سمرا، وازداد عددهم كثيراً بعد اندلاع الحرب اللبنانية، وكأنهم كانوا يخشون ضياع الأمكنة التي أحبوها في هذه المدينة الساحرة.
• وأنت في معترك الحياة الثقافية - بمختلف أطيافها - هل نستطيع بلورة رؤيتك لأهم القضايا التي تفرض نفسها على الساحة، وأثارت الزوابع ولا تزال، مثل قصيدة النثر وتجربة شعر التسعينيات وزمن الرواية؟
- مفهومي للكتابة الأدبية هو الآتي: هناك أربعة عناصر تدخل في تكوين ما يسمّى الكتابة الأدبية: الخيال، والموسيقى، والعاطفة، والتصوير البياني، وقد تجتمع كلها في النصّ، أو أكثرها أو أقل من ذلك. وقد تكون كثافتها في النص عالية أو متوسطة أو خفيفة. اجتماع هذه العناصر في النص بكثافة عالية يجعل منه نصاً شعرياً، فإن تدنّى عددها أو تدنّت كثافتها نكون أمام تلاوين شعرية أخرى، مثل: النثر الشعري، وقصيدة النثر، ثم الخطبة الأدبية، ثم المقالة الأدبية، ثم الأقصوصة، ثم القصة القصيرة، ثم الرواية، ثم النقد، ثم نخرج من دائرة الأدب إلى دائرة الكتابة الواسعة كالكتابة الصحافية وغيرها... هذا يعني أن هناك متسعاً لكل الأشكال الأدبية، كما هناك متسع في هذا العالم لكل أجناس البشر وعقائدهم ودياناتهم وألوانهم.
• ما رؤيتك للأدب الكويتي؟
- أتوقع للأجيال الجديدة في الكويت مستقبلاً روائياً مرموقاً، وأنا لست بعيداً عن الأدب الكويتي، فقد قرأت لليلى العثمان، وإسماعيل فهد إسماعيل، وسعود السنعوسي، وقرأت بالتأكيد روايات طالب الرفاعي، أحد أهم الروائيين العرب اليوم. وأقرأ من دون نظام ما يتوافر لي من روايات الشباب، وفيهم من أتوقع له مكانة كبيرة في المستقبل.
• برأيك إلى أي حد نجح الروائيون في عرض تمثيل سردي مغاير عن السرد التقليدي؟
- لكل جيل رواياته، سواء في الكويت أو في غيرها. واليوم لم تعد هناك عواصم عربية تحتكر الثقافة، صار التعليم والثقافة متاحين للجميع، وانفتح الجيل الجديد على العالم، فحطّم مقولة المركز والهامش. ثم أن ثورات الربيع العربي، وإن أدت إلى سقوط معظم الدول العربية في الهامش اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، فإنها صدّعت أطر التفكير، وخلخلت القوالب السائدة في السرد، وقوّضت أسس الرواية التقليدية. وهذا تماماً ما وصلت إليه الرواية الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.
• هناك رأي يقول إن النقد الأدبي العربي المعاصر لا يقوم بواجبه كما ينبغي، وأن النقاد العرب المعاصرين لم يستطيعوا أن يبلوروا نظرية خاصة بالمدونة الأدبية العربية، كيف ترى النقد في العالم العربي مقارنة بالنقد الغربي؟ وما رؤيتكم للمشهد النقدي في لبنان؟
- لقد جرت محاولات جِدّية لبلورة نظرية خاصة بالمدونة السردية العربية، ولكنها لم تُفضِ إلى نظرية فعلية، لأنّ المدونة السردية العربية، على جمال حكاياتها، لا تختلف عن المدونة الروسية التي درسها فلاديمير بروب، ولا عن المدونة الفرنسية التي درسها جيرار جينيت. لهذا يبدو لنا النقد العربي اليوم كأنه تابع للنقد الغربي. والحقيقة أن النقد في كل قارات العالم يتبنى اليوم المناهج الغربية.
• ما مشاريعك المستقبلية في حقل الكتابة والتأليف؟
- أعمل على كتاب عن «تحوّلات المؤلف»، آمل أن يبصر النور في السنة المقبلة.