تناول تقرير أسواق النقد الأسبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، أحدث المؤشرات الرئيسية الصادرة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وأستراليا عن ضعف معدلات التضخم خلال الأسبوع الماضي، في إشارة حديثة تدل على أن التضخم العالمي قد يكون بلغ ذروته بالفعل.

في التفاصيل، هدأت مؤخراً حدة مشكلات سلاسل التوريد المعقدة والناجمة عن جائحة كوفيد 19 والحرب في أوكرانيا، بسبب تراجع تكاليف المواد الغذائية والوقود.

ومن العوامل التي تؤثر أيضاً على الاقتصادات العالمية على الرغم من ظهور تأثيراتها بعد فترة، رفع البنوك المركزية على مستوى العالم أسعار الفائدة لمستويات تاريخية استجابةً لتصاعد وتيرة التضخم المترسخ الذي استمر لفترة أطول مما كان متوقعاً.
Ad


وحالياً، تقدر وكالة «بلومبرغ إيكونوميكس» تجاوز معدل التضخم في كافة أنحاء العالم مستوى 9.8% على أساس سنوي خلال الربع الثالث من العام، على أن ينخفض إلى 9.5% في الربع الأخير حتى يصل أخيراً إلى 5.3% بنهاية عام 2023.

لكن على الرغم من ذلك، ما تزال هناك مخاطر كبيرة على صعيد سلاسل التوريد التي لم تتم معالجتها بعد، إضافة إلى تعرض أسعار السلع الأساسية لمخاطر عودة ارتفاعها مرة أخرى بمجرد إعادة فتح النشاط الاقتصادي في الصين بالكامل، كما قد يستمر ارتفاع تكاليف المعيشة في دفع الأجور للارتفاع.

تقرير الوظائف يعصف بالتوقعات

جاءت وتيرة نمو الوظائف في نوفمبر أفضل بكثير مما كان متوقعاً، إذ ارتفعت الوظائف غير الزراعية بمقدار 263 ألف وظيفة خلال هذا الشهر، بينما استقر معدل البطالة عند مستوى 3.7%.

وكانت البيانات أفضل بكثير من التوقعات التي أشارت إلى تسجيل نمو بمقدار 200 ألف وظيفة، وأقل قليلاً عن المستويات المسجلة في أكتوبر البالغة 285 ألف وظيفة.

ولن تساهم تلك الأرقام بالكثير في سبيل إبطاء وتيرة رفع الاحتياطي الفدرالي لسعر الفائدة في ظل تركيزه على خفض معدل التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ 40 عاماً. وظهرت عقبة أمام التدابير التي يتخذها الفدرالي ضد التضخم، تمثلت في قفز متوسط الدخل في الساعة بمقدار الضعف عن المتوقع وبما يقدر بنحو 0.6% خلال الشهر.

وبعد رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في اجتماعاته الأربعة الأخيرة، أشار مسؤولو الاحتياطي الفدرالي إلى أن الوتيرة قد تتباطأ قريباً، وتتوقع الأسواق الآن أن يقوم البنك المركزي برفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماعه المقرر عقده في ديسمبر الجاري.

مؤشر التضخم المفضل لدى الفدرالي

ما يزال التضخم في الولايات المتحدة يتحرك بوتيرة متسارعة، لكنه بدأ في إظهار بعض العلامات الدالة على التباطؤ، مما يعتبر من الأنباء الجيدة لصانعي السياسة، الذين يحاولون تخفيف وتيرة الزيادات السريعة لأسعار الفائدة والتي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة تاريخياً.

إذ ارتفعت الأسعار وفقاً لمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة 6% على أساس سنوي في أكتوبر، بما يتماشى مع التوقعات ومقابل 6.3% في سبتمبر.

أما على صعيد مؤشر التضخم الأساسي، الذي أكد رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول أنه من أهم المقاييس المتعلقة بالتضخم، فقد ارتفع بوتيرة أقل من المتوقع بمستوى 0.2% على أساس شهري في أكتوبر.

وعلى الرغم من كشف التقرير عن بدء تراجع معدلات التضخم، فإنه ما يزال أعلى بكثير من المستوى المستهدف لمجلس الاحتياطي الفدرالي والبالغ 2%.

ثقة المستهلك

ووسط مواصلة تأثير التضخم وحالة عدم اليقين الاقتصادي على المستهلك الأميركي، تراجعت معدلات الثقة في نوفمبر كما كان متوقعاً على نطاق واسع. وبلغ مؤشر «كونفرنس بورد» لثقة المستهلك 100.2 الشهر الماضي، مقابل 102.2 في أكتوبر.

ووصل المؤشر إلى أدنى مستوياته منذ يوليو عندما انخفض إلى 95.7 وسط ارتفاع أسعار الغاز إلى مستويات تاريخية، ويشهد نوفمبر الشهر الثاني على التوالي لتراجع المعدل الرئيسي. وتعتبر أسعار الغاز والمواد الغذائية السبب الرئيسي لانخفاض معدلات الثقة ويواصلان السيطرة على تقييمات الظروف الاقتصادية قصيرة المدى. إذ تراجع مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي إلى 137.4، مقابل 138.7، وانخفض مؤشر التوقعات الاقتصادية من 77.9 إلى 75.4.

ويمثل تخطي قراءة المؤشر مستوى 100 إشارة تدعو إلى التفاؤل تجاه الاقتصاد والميل نحو زيادة الإنفاق.

وعلى الرغم من استمرار ارتفاع معدلات التضخم، فإن قوة سوق العمل تركت المتسوقين في ظروف مالية مستقرة نسبياً بدعم من المدخرات والأمن الوظيفي.

وبصفته المحرك الرئيسي للاقتصاد الأميركي، ما زال الإنفاق الاستهلاكي يحافظ على مرونته، كما يتضح من بيانات الشهرين الأخيرين من العام والتي تمثل نحو 20% من إجمالي مبيعات التجزئة، وفقاً للاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة.

وقد تنمو المبيعات خلال فترة العطلات، وفقاً للبيانات الصادرة عن الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة، لتصل إلى 960.4 مليار دولار مقابل 889.3 ملياراً تم إنفاقها في الفترة المماثلة من العام الماضي.

انكماش قطاع التصنيع

للمرة الأولى ومنذ بداية ظهور الجائحة في عام 2020، انكمش نشاط التصنيع في الولايات المتحدة نظراً لتأثير تكاليف الاقتراض المرتفعة على الطلب على السلع. وقال معهد إدارة التوريدات الأسبوع الماضي، إن مؤشر نشاط المصانع انخفض من 50.2 في أكتوبر إلى 49، بما يمثل أول انكماش وأضعف قراءة يسجلها المؤشر منذ مايو 2020.

وتمثل القراءة فوق مستوى 50 نمواً في أنشطة القطاع، الذي يمثل نحو 11.3% من الاقتصاد الأميركي. وضمن أكبر ست قطاعات صناعية، سجل قطاعان فقط نمواً الشهر الماضي. وفي الإجمالي، سجلت ستة قطاعات صناعية فقط نمواً، بينما تقلص أداء 12 قطاعاً في نوفمبر. وفي ذات الوقت، تراجع المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة التطلعية في الاستطلاع إلى 47.2، ليشهد بذلك الشهر الثالث على التوالي من الانكماش.

حركة الأسواق

فقد مؤشر الدولار الأميركي نحو 1.4% من قيمته الأسبوع الماضي قبل أن يتعافى، مما ساهم في وصول كل من اليورو والجنيه الإسترليني إلى أعلى مستوياتهما المسجلة في 6 أشهر عند مستوى 1.0544 و 1.2309.

وقفزت عائدات سندات الخزانة الأميركية بعد صدور تقرير الوظائف الأخير الذي جاء أقوى من المتوقع، بينما تراجعت الأسهم في وول ستريت وسط مخاوف من اتخاذ الاحتياطي الفدرالي لتدابير أكثر تشدداً.

وتيرة أكثر بطئاً

وفقاً للتقديرات الأولية الصادرة من الاتحاد الأوروبي، تراجع معدل التضخم السنوي عبر منطقة اليورو إلى 10% في نوفمبر مقابل 10.6% في أكتوبر.

ويمثل هذا الانخفاض أول تراجع لمعدل التضخم على مدار 17 شهراً متتالياً. وتستمر تكلفة الطاقة في المساهمة بشكل كبير على الرغم من تباطؤ زيادات الأسعار الشهر الماضي إلى 34.9% مقابل 41.5% على أساس سنوي. لكن وتيرة نمو تضخم أسعار المواد الغذائية تسارعت هامشياً من 13.1% إلى 13.6% بينما ظل معدل تضخم السلع والخدمات الصناعية ثابتاً.

وظل معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الطاقة والمواد الغذائية،، ثابتاً عند مستوى 5% على أساس سنوي.

ومن المقرر أن يجتمع البنك المركزي الأوروبي في وقت لاحق من الشهر الحالي ومن المتوقع أن يرفع أسعار الفائدة مرة أخرى. وفي ظل ارتفاع معدلات التضخم بأكثر من خمسة أضعاف المستوى المستهدف من البنك المركزي الأوروبي المقرر بنحو 2%، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بأسرع وتيرة على الإطلاق هذا العام بتطبيقه لزيادات متتالية بمقدار 75 نقطة أساس.

وفي اجتماعه المقبل، تتوقع الأسواق على نطاق واسع رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس بعد أن جادل بعض صانعي السياسة بأن التضخم قد بلغ ذروته أخيراً وأن البنك المركزي الأوروبي قد أحرز تقدماً كافياً لتبرير اتخاذ خطوات أصغر.

وما يزال من المتوقع على الأرجح تطبيق سلسلة من الارتفاعات في المستقبل، إذ سيستغرق نمو الأسعار سنوات حتى تخف حدته. وما تزال ذروة توقعات معدل الفائدة على الودائع عند معدل يصل إلى 3%، مما يشير إلى إمكانية رفع سعر الفائدة بمقدار 150 نقطة أساس أخرى.