الإصلاح الضريبي في الكويت... من واقع «الحد الأدنى العالمي»
الاتفاق المتعلق بضريبة دخل الشركات استبعد الجهات الحكومية والمنظمات الدولية
• الاتفاق يعدّ تطوراً فريداً في القانون الضريبي الدولي وله أثره على الشركات بالكويت
تداولت وسائل الأخبار خبر المُضي قُدمًا بمشروع المنطقة الاقتصادية الشمالية، وكان مشروع قانونها المعلن عنه ينص على منح إعفاءات كلية وجزئية من ضريبة دخل الشركات المطبّقة في الكويت، أو ما يطلق عليه «tax holiday»، للمستثمرين بهدف جذب الاستثمارات الخارجية، هذا التوجه الحكومي لتقديم هذا النوع من الإعفاءات ضريبية يتجاهل التطورات الأخيرة في القانون الضريبي الدولي، والذي أثرت بفعالية الإعفاءات ضريبية واستفادة الشركات منها. وتحديدًا اتفاق الحد الأدنى العالمي لضريبة دخل الشركات، الذي وافقت الكويت على الانضمام إليه في نوفمبر الماضي. ففي سابقة تاريخية اتفقت 137 دولة عام 2021على تطبيق حدٍ أدنى من ضريبة دخل الشركات بنسبة 15 بالمئة على الشركات العالمية أينما كان محل ممارستها لنشاطها، وذلك لمعالجة الثغرات الموجودة في النظام الضريبي الدولي الحالي، الذي يسمح للشركات العالمية بتجنّب الضريبة تحت مظلة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبالتعاون مع مجموعة العشرين، ضمن مشروع «Base Erosion and Profit Shifting» أو اختصارًا «BEPS»، الذي يمكن ترجمته لمشروع «تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح»، وقد بدأت الدول تقنّن هذا الاتفاق في قوانينها الداخلية مع بداية عام 2024، ونناقش في هذا المقال هذا الاتفاق الذي يعد تطورًا فريدًا في القانون الضريبي الدولي، وأثره على فاعلية قوانين ضريبة دخل الشركات في الكويت.
أولًا: نطاق الحد الأدنى العالمي للضريبة وآلية تنفيذه
من حيث نطاق تطبيق القواعد على الأشخاص لا تدخل جميع الشركات العالمية في نطاق هذا الاتفاق، بل يشمل مجموعة الشركات متعددة الجنسية، التي تعمل في أكثر من دولة، وتتجاوز إيراداتها السنوية الموحدة 750 مليون يورو أو ما يعادلها من العملة المحلية، ويرجع في تحديد هذا المبلغ للإيرادات الواردة في البيانات المالية الموحدة، فيجب على الأقل أن تتجاوز الإيرادات الواردة المبلغ المذكور في اثنتين من البيانات المالية الموحدة في السنوات المالية الأربع التي تسبق مباشرة السنة المالية المختبرة، وبمفهوم المخالفة، فإن الشركات المتعددة الجنسية التي لا تصل إيراداتها للحد الأدنى لا تخضع للقواعد المعمول بها وفقًا للركيزة الثانية، ومتى كانت الشركات تعمل في أكثر من دولة، وتتجاوز إيراداتها السنوية المبلغ المذكور، فهذه الشركات ستنطبق عليها القواعد.
وقد استبعد الاتفاق بعض الجهات من تطبيقه كالجهات الحكومية، والمنظمات الدولية، والمنظمات غير الربحية، وصناديق التقاعد، كما يستثنى من دخل الشركات عند تطبيق قواعد الركيزة الثانية الدخل الناتج عن ممارسة بعض النشاطات كنشاط الشحن الدولي والأنشطة المساعدة له.
المستفيد من عدم انخفاض الضريبة بالدولة التي يُمارَس فيها النشاط ليست الشركة بل دولتها الأم
ويجب ابتداءً أن تحسب مجموعة الشركات الخاضعة دخلها والضرائب المفروضة على هذا الدخل لكل إقليمٍ على حدة، وفي حال نتج عن هذا الحساب معدل ضريبةٍ فعليٍ أقل من 15 بالمئة، ولم تفرض الدولة التي يمارس فيها النشاط ضريبة إضافية، وصولًا للحد الأدنى العالمي للضرائب، فإن القواعد تتطلب من الشركة الأم دفع «Top Up Tax» أو ضريبة إضافية من شأنها رفع إجمالي مبلغ الضريبة على الأرباح الزائدة إلى معدل 15 بالمئة، فعلى سبيل المثال، لو كان المعدل الفعلي المطبق في دولةٍ ما 10 بالمئة، فيجب أن تدفع الشركة الأم ضريبة إضافية تعادل 5 بالمئة لدولتها الأم، أي أن المستفيد من عدم انخفاض الضريبة في الدولة التي يمارس فيها النشاط ليست الشركة، بل دولتها الأم التي ستفرض ضريبةً على كل الأرباح التي لم تفرض ضريبة عليها، حتى تدفع الشركة عن دخلها ضريبةً تعادل الحد الأدنى العالمي للضريبة، وفي حال لم تفرض الدولة الأم الضريبة، فسيَحقّ لدولٍ أخرى فرض هذه الضريبة بقيودٍ معيّنةٍ، أما إذا كان المعدل الفعلي المطبق يزيد على الحد الأدنى، فلا حاجة لدفع ضريبةٍ إضافية.
ووفقًا للنشرات التفسيرية التي أصدرتها المنظمة بخصوص هذا الاتفاق، فقد ينتج عن تطبيق الحوافز الضريبية أن يقل المعدل الضريبي الفعلي عن الحد الأدنى العالمي من الضرائب، وهو ما يعتمد على المعدل الضريبي القانوني ونوع الحوافز المقدمة، وقد أكدت التفسيرات أن كون المعدل الضريبي القانوني يفوق الــ 15 بالمئة لا يعني عدم اعتبار الدولة التي يمارس بها النشاط التجاري دولةً قليلة الضرائب، فلو قدمت إعفاءاتٌ ضريبيةٌ للشركة، فسيترتب عن ذلك انخفاض المعدل الضريبي الفعلي عن الحد الأدنى المتفق عليه عالميًا.
ثانيا: مدى إلزامية اتفاق الحد الأدنى العالمي للضريبة
ولا يترتب عن هذا الاتفاق أن تتغير القوانين الضريبية الوطنية تلقائيًا، فيجب أن تغير الدول قوانينها وفقًا للقواعد الدستورية بما يتوافق مع هذا الاتفاق، فهذه القواعد لم تجر صياغتها على شكل اتفاقيةٍ دوليةٍ ملزمة، بل تعد من قبيل الاتفاق لتنسيق الجهود على مستوى دولي لتحديث قواعد القانون الدولي الضريبي، والدول غير مجبرة على تطبيق الحد الأدنى العالمي للضرائب، فلكل دولة الحق في اختيار معدلها الضريبي، وتصميم نظام ضريبة الشركات الخاص بها، الذي يخدم سياساتها الضريبية.
ثالثا: تبعات عدم تطبيق اتفاق الحد الأدنى العالمي للضريبة
إن عدم تبنّي الدول بقوانينها الداخلية لمعدل ضريبي أعلى من المعدل الفعلي المذكور يجعلها عرضة لخسارة إيرادات ضريبية، بسبب إمكانية تدخل الدول الأخرى وفرض ضريبة على الشركات الداخلة في نطاق تطبيق هذه المعالجة للحد الذي يوصل الضريبة المطبّقة على الشركات العالمية للحد الأدنى المتفق عليه، أي أن المستفيد من انخفاض الضريبة في الدولة التي يمارس فيها النشاط ليست الشركة، بل هو غالبا دولتها الأم التي ستفرض ضريبة على كل الأرباح التي لم تفرض ضريبة عليها، حتى تدفع الشركة عن دخلها ضريبة تعادل الحد الأدنى العالمي للضريبة. أما إذا كان المعدل الفعلي المطبق يزيد على الحد الأدنى، فلا حاجة إلى دفع ضريبة إضافية، والأولوية في فرض الضريبة الإضافية في حال كان المعدل الفعلي المطبق يقل عن الحد الأدنى العالمي المتفق عليه هي للدولة التي يمارس فيها النشاط.
رابعاً: تأثر القوانين الكويتية بالحد الأدنى العالمي للضريبة
يعتمد تأثر القوانين الضريبية في الكويت على عدة عوامل، منها معدل الضريبة، وعناصر تتعلق بالشركة العالمية (نوع الدخل المحقق بالدول، ونوع النشاط الذي تمارسه بالدول المستضيفة، وهيكل ملكية الشركة وإيراداتها)، وعناصر تتعلق بالحوافز الضريبية (كالمستحقين للحوافز، ووجودهم الفعلي في الدولة المستضيفة، ونوع الحوافز)، وتؤثر هذه القواعد تأثيرًا مباشرًا على المنفعة المتحصلة من الحوافز الضريبية الممنوحة من قبل الدول للشركات العالمية. ويوجد عددٌ لا بأس به من الشركات العاملة في الكويت الداخلة في نطاق تطبيق هذه القواعد.
يتكون نظام ضريبة الدخل في الكويت من عددٍ من القوانين، فتطبق ضريبة دخل الشركات بمعدل 15 بالمئة من أرباح الشركات الأجنبية العاملة في الكويت بموجب مرسوم ضريبة الدخل الكويتية رقم 3/ 1955 المعدل بالقانون رقم 2/ 2008، كما تطبّق ضريبة الدخل على بعض أنواع الشركات الكويتية، فتفرض ضريبةٌ بمعدل 1 بالمئة على صافي أرباح الشركات المساهمة العامة والمغلقة بناءً على قانون رقم 46/ 2006 في شأن الزكاة ومساهمة الشركات العامة والمقفلة في ميزانية الدولة، وضريبةٌ بمعدل 2.5 بالمئة على صافي أرباح الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية بناءً على القانون رقم 19/ 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية وتشجيعها للعمل في الجهات غير الحكومية.
لا يترتب على اتفاق الحد الأدنى العالمي للضريبة أن تتغيّر القوانين الضريبية الوطنية تلقائيًّا
أما بالنسبة إلى الحوافز الضريبية، فيوجد عديد من القوانين التي تقدم إعفاءات ضريبية كلية أو جزئية، ولمدد طويلة للشركات الأجنبية، فعلى سبيل المثال، ينص قانون الاستثمار المباشر على إعفاء الشركات المستثمرة كليًا أو جزئيًا من ضريبة الدخل لمدد تصل إلى 20 سنة، كما ينص القانون المنظم للمناطق الحرة على منح إعفاء شامل ولفترة غير مؤقتة لضريبة الدخل للشركات العاملة في المنطقة الحرة، كما سمح قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص بإمكانية إعفاء الشركات من ضريبة الدخل من دون تحديد لأية ضوابط تتعلق بمدة الإعفاء، وأخيرًا، نص قانون التنظيم الصناعي الموحد لدول مجلس التعاون العربية على إمكانية إعفاء الشركات كليًا أو جزئيًا من ضريبة الدخل، ولم تبيّن برامج عمل الحكومة التي قدمت في السنتين الأخيرتين أي توجهٍ لدى الحكومة لإعادة النظر في هذه الحوافز، كما أن هناك مشاريع قوانين تدرسها الحكومة لتقديم إعفاءات ضريبية إضافية.
وبتطبيق قواعد الحد الأدنى العالمي للضريبة على نظام ضريبة الشركات في الكويت، ومع تأكيد بعدم إمكانية الجزم بالأثر الدقيق للحد الأدنى العالمي للضريبة على فاعلية القوانين الضريبية الحالية، بسبب تعلّق بعض العناصر بمعلوماتٍ غير منشورة كالمستحقين للحوافز، ووجودهم الفعلي في الدولة المستضيفة، ونوع الدخل المحقق، وبالتركيز على العنصرين الأساسيين (الحوافز الضريبية، والمعدل الضريبي)، نقول إن هناك احتمالية كبيرة لتأثر فاعلية قوانين الضرائب في الكويت لسببين، الأول هو انخفاض معدلات الضريبية القانونية المطبقة، أما الثاني فهو نوع الحوافز الضريبية المقدمة، أي الإعفاءات الضريبية التي تصنفها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالأكثر تأثرًا، وهذا النوع يخفض من المعدل الضريبي الفعلي، وهو ما يزيد من احتمالية تأثر فاعلية الحوافز الضريبية الحالية، وخسارة إيرادات ضريبية كانت ستكون من نصيب الكويت.
توصيات لتلافي ضياع الإيرادات الضريبية بالكويت
هناك ضرورة لإعادة تقييم معدلات الضريبة، والحوافز الحالية، وأي حوافز مستقبلية تعتزم الحكومة إقرارها في القوانين المستقبلية، ودراسة مدى توافقها مع الحد الأدنى لمعدل الضريبة الفعلي المقرر باتفاق الحد الأدنى العالمي للضريبة، لتجنّب ضياع فرص زيادة الإيرادات الضريبية، ولعل هذه هي الفرصة المناسبة لإعادة النظر في جميع القوانين الضريبية الحالية، فتلغى جميع هذه القوانين ويستبدل بها قانونٌ واحدٌ يفرض ضريبة على دخل الشركات، ومن المهم كذلك إقرار نوعية الحوافز الضريبية التي تتوافق مع قواعد اتفاق الحد الأدنى العالمي للضريبة، فليست جميع الحوافز متأثرة بهذا الاتفاق، وقد أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توضيحاتٍ تتعلق بالحوافز التي لا تتعارض مع الاتفاق، ولعل هذا الموضوع هو موضوع مقالتي في المستقبل القريب.
وأخيرًا، أؤكد ضرورة استطلاع مرئيات القطاع الخاص وبيوت الاستشارات العالمية المتخصصة بالضريبة حول أي مشروع قانون ضريبة دخل الشركات قادم وقبل إقراره، لاستشارته حول الآثار العملية المترتبة على تطبيق ضريبة الدخل بعد الإعلان عن أحكام القانون، ومن المهم أيضًا أن يتعامل مع مقترحات القطاع الخاص بجدية، وهذا هو مسلك الدول التي تستخدم السياسة الضريبية أداة لجذب الاستثمار الأجنبي ودعم النشاط التجاري والصناعي المحلي، فعلى سبيل المثال، أعلنت الهيئة الاتحادية للضرائب بدولة الإمارات إعادة النظر بنظام ضريبة دخل الشركات بما يتوافق مع قواعد اتفاق الحد الأدنى العالمي للضريبة، بعد قيام الوزارة بالسماح للمهتمين بتقديم تصوراتهم بشأن مقترحات تطبيق الركيزة الثانية. ولذلك أدعو إلى الاقتداء بهذا المسلك في الكويت.
*د. سارة خالد السلطان: أستاذة القوانين الضريبية والمالية المساعدة بكلية الحقوق بجامعة الكويت