وجهة نظر: شراء العقار أم استئجاره... تكلفة الفرصة البديلة

نشر في 02-07-2024
آخر تحديث 01-07-2024 | 19:27
 د. فهد وليد المضف

يشكّل قرار شراء أو استئجار العقار تحديًا كبيرًا، يتطلب اتخاذ هذا القرار تقييمًا دقيقًا لتكلفة الفرصة البديلة ومقارنة فوائد ومزايا الشراء مقابل الاستئجار. من الخطأ الاستعجال والتعميم بأن الشراء أفضل من الاستئجار أو العكس على إطلاقه، حيث إن هناك العديد من العوامل المؤثرة على ذلك القرار وتختلف من حالة لأخرى.

يُعتبر شراء العقار استثمارًا طويل الأجل، حيث يمكن أن تزداد قيمة العقار بمرور الوقت، مما يوفّر فرصة لتحقيق أرباح كبيرة عند بيعه في المستقبل. توفر ملكية العقار شعورًا بالاستقرار والأمان، حيث لا يحتاج المالك إلى القلق بشأن تجديد عقود الإيجار أو ارتفاع الإيجارات بشكل مفاجئ. يمكن لمالك العقار تعديل وتطوير الممتلكات حسب رغباته واحتياجاته، مما يعزز من قيمة العقار ويجعله أكثر راحة وجاذبية. هذا بالإضافة الى أن مالك العقار يوفر على نفسه دفع إيجار في حال لم يكن يمتلك هذا العقار.

في المقابل، يوفر الاستئجار مرونة أكبر، حيث يمكن للمستأجر الانتقال بسهولة عند الحاجة، دون الالتزام ببيع العقار أو تحمّل تكاليف الانتقال العالية. ولا يتطلب الاستئجار دفعة أولى كبيرة، كما هي الحال عند شراء العقار، مما يجعله خيارًا أكثر جاذبية للأشخاص الذين لا يمتلكون رأسمال كبيراً. يتحمل المالك تكاليف الصيانة والإصلاحات في العقار المستأجر، مما يوفر على المستأجر تكاليف إضافية غير متوقعة.

عند اتخاذ قرار شراء أو استئجار العقار، يجب على الفرد النظر في تكلفة الفرصة البديلة، وهي الفوائد المحتملة التي قد يتم التخلي عنها عند اختيار خيار على حساب الآخر. في حالة شراء العقار، يمكن أن يتم استثمار رأس المال المستخدم في الدفعة الأولى بفرص استثمارية أخرى قد تحقق عوائد أعلى. لذا، ينبغي مقارنة العوائد المحتملة من استثمار رأس المال في العقارات مقابل استثمارات أخرى مثل الأسهم أو المشاريع التجارية. الشراء يتطلب تخصيص جزء كبير من الدخل الشهري لتسديد القرض العقاري، بينما الاستئجار يمكن أن يتيح للفرد الاحتفاظ بمرونة مالية أكبر واستخدام الأموال الفائضة في استثمارات أو نفقات أخرى. يعتبر السوق العقاري عرضة للتقلبات، وقد تتأثر قيمة العقارات بعوامل اقتصادية مختلفة. إذا انخفضت قيمة العقار بعد الشراء، قد يخسر المالك جزءًا كبيرًا من استثماره. في المقابل، الاستئجار يخفف من مخاطر تقلبات السوق العقاري. وفي حالة ارتفاع قيمة العقار، فمن اشتراه سيتمتع بميزة ارتفاع استثماره وتحقيق عوائد مجزية.

فيما يلي مثال افتراضي لمجرد توضيح الفكرة والمقارنة: سعر المنزل 300 ألف د. ك، سيتم تمويل الشراء عن طريق قرض بنسبة أرباح 6 بالمئة سنوياً لمدة 15 سنة، وافق البنك على تمويل جزء من قيمة المنزل، بينما سيقوم الشخص بتوفير بقية المبلغ من مدخراته، أي أنه سيقترض 140 ألف د. ك من البنك، ويدفع 160 ألف د. ك من مدخراته، صيانة المنزل السنوية 1500 د. ك، عند بيع المنزل سيدفع 1.5 بالمئة عمولة للوسيط العقاري والجهات الحكومية. من المتوقع ارتفاع سعر العقار 3 بالمئة سنوياً، بالمقابل في حال عدم شراء المنزل، سيقوم باستئجار منزل بقيمة 15 ألف د. ك سنوياً (1250 د. ك شهرياً)، مع افتراض ثبات الإيجار لـ 5 سنوات. لو تمت المقارنة على المثال أعلاه، نجد أن معدل العائد الداخلي لمن يقرر شراء المنزل (IRR) يتراوح بين 6 و7.73 بالمئة، وفق فترة الاحتفاظ بالمنزل من سنة الى 5 سنوات قبل البيع. في مثل هذه الحالة نطبّق مفهوم تكلفة الفرصة البديلة، ونسأل أنفسنا السؤال التالي: هل عند هذا الشخص فرص استثمارية بديلة أخرى تحقق له عائد أعلى من ذلك سنوياً؟ مثلاً 8 بالمئة أو أكثر سنوياً. ان كانت الإجابة بنعم، إذاً سيكون القرار والتوصية بأن الاستئجار أفضل له من الشراء في هذه الحالة. أما إن كان الشخص غير قادر على تكوين محفظة استثمارية تحقق له هذا العائد الاستثماري الذي يفوق 8 بالمئة، فمن الأفضل له شراء العقار وامتلاكه. بالطبع المثال أعلاه مبنيّ على فرضيات ومعطيات وعوامل ستتغير الأرقام والنتائج والقرارات بتغيرها.

يبقى قرار شراء أو استئجار العقار قرارًا ماليًا استراتيجيًا يجب اتخاذه بعناية. يجب على الأفراد تقييم فوائد ومخاطر كل خيار بعناية، والنظر في تكلفة الفرصة البديلة للاستثمار المحتمل لرأس المال والتدفق النقدي. الاستثمار في العقارات يمكن أن يكون فرصة لتحقيق أرباح كبيرة واستقرار طويل الأمد، بينما يوفر الاستئجار مرونة مالية وتجنّب تكاليف الصيانة والإصلاحات. في النهاية، يعتمد القرار على الأهداف المالية الشخصية وفترة استخدام العقار الزمنية المتوقعة والقدرة على تحمّل المخاطر والرغبة في الاستثمار على المدى الطويل.

* أستاذ مشارك - قسم التمويل والمنشآت المالية - جامعة الكويت

back to top