لَقدْ كان ذلك القَلبُ المُتوَقدُ كالمشعل الذي نفض اللوعةَ وَبذورَ اليَأْسِ... هوَ مَن أسْكَنَ ذاتي الخَفيَّةَ وَحَنيني الَّذي كانَ يَتَأوَّهُ.

حينَما يَبِسَتِ الحَدائِقُ وانْسَحَقَتِ الأحْلامُ في وَقْتٍ ما، بَقيَتْ أفْكاري حَيَّةً كَنَبَضاتِ الرّوحِ. لَقَدْ ظَنَنْتُها تَوارَتْ، فَإذا بِها تَعودُ كَما يَعودُ الصَّباحُ وَيَعودُ المَساءُ.

Ad

لَقَدْ شَعَرْتُ بِالرّوحِ الَّتي تَسْري والضَّميرِ الَّذي يَتَرَقْرَقُ كالزَّهْرَةِ اللَّيِّنَةِ، فَعادَتْ ثِقَتي بِفَنّي وَفَضيلَتي، وَجَمالِ مَعْرِفَتي، فَظَهَرَتْ قوَّةُ نَفْسي، الَّتي كادَتْ تَسْتَحْكِمُ عَلَيها الصُّعوباتُ، فَأزالَتْ تِلكَ الصُّعوباتِ عَنْ مَواضِعِها.

لَقَدِ انْبَثَقَ النّورُ مِن نَفْسي لِأرى عاطِفَةً خَفيَّةً عَلَّمَتْني كَيفَ أفْرَحُ بِأيّامي، فَتَبَدَّلَتْ مَعاني الأيّامِ، وارْتَسَمَتِ اللَّيالي بِالأنْغامِ، فَعَرَفْتُ أنَّهُ كَما أنَّ هُناكَ أحْلاماً في مَهْدِ المَحَبَّةِ هُناكَ كَذَلِكَ مَخاضٌ لِليَأْسِ والكَآبَةِ.

إنَّ ما نَبْحَثُ عَنْهُ في تَوالي الأعْوامِ هوَ ذَلِكَ المَعْنى الشّاعِريُّ الَّذي يَتَآلَفُ فيهِ الفَرَحُ والحُزْنُ، وَتَشْعُرُ بِهِ في أعْماقِكَ، فَتُحَلِّقُ بِهِ الأرْواحُ كالمِنحَةِ لِتَعْرِفَ أجْمَلَ مَعاني الحَقِّ.

يا لَهُ مِن كِتابٍ جَميلٍ، ذَلِكَ الَّذي قَرَأْتُهُ (قَلبُ أُسْتاذي). لَقَدِ احْتَرَمَ ثَقافَتي، واحْتَرَمَ ميثاقَ الشَّرَفِ المِهنيِّ بِعَقْلِهِ وَهَيبَتِهِ الحَزينَةِ، فَرَفَعَتْهُ الفَضيلَةُ إلى مَوضِعٍ ثَريٍّ، ذَلِكَ القَلبُ الكَريمُ الَّذي احْتَضَنَ صَدْرُ الأرْضِ حُلُمَهُ حينَما فَقَدَ ابْنَتَهُ.

دَعْني أُصافِحْ تِلكَ اليَدَ الَّتي أيقَظَتْ أمَلي.

وُرودُ القَوافي

(البحر الكامل)

أقَوافيَ الأشعارِ هيّا واجْدُلي

لِضَفائِرِ الكَلماتِ منْ شِعْرٍ شَجي

وقِفي قَليلاً يا لَها من زَفرةٍ

وترنَّمي السَّبَحاتِ من قطْفٍ وَفي

ولْتَمْسَحي الأيّامَ من دَمْعِ الدُّجى

كَي يُسْعِدَ القَسَماتِ نوْرٌ عَسْجَدي

أتُراكِ قدْ أضْناكِ يا أُنْشودَتي

زخْمٌ منَ الآهاتِ مَكتوبٌ شَقي

وتُراكِ يا جسْمي نحَلْتِ بِعِلَّةٍ

قَدْ صِرْتِ منْها مثْلَما الطُّهْرُ النَّقي

ودأبْتِ يا نفْسي على طولِ العَطا

فلْتَهْنَئي يا روحُ بالسِّلْمِ السَّخي

فَلْتَحْنُ عَقْلي لا تَسَلْ عَنْ كُنَيَةٍ

مَجْهولةٍ للعِلْمِ، بارِئُها العَلي

وكَفاك قَطْراً من عَذاباتِ الأسى

فمنابِعُ الرَّحَماتِ كَنْزٌ سَرمَدي

وطَلاوَةُ الأقْدارِ تصْبُغُ مُهْجَتي

تصْفو لِمنْ يصفو وتجْفو للأبي

أقَوافيَ الأشْعارِ هيّا فانْطقي

منْ أعْذَبِ الكَلِماتِ والجَرْسِ السَّوي

عودي إليَّ، تكلَّلي وجْهَ السَّنا

وَصِفي منَ النَّفْحِ الإلَهيِّ الهَني

لا تقْنَطي فالكَونُ لحْنٌ في المَدى

مُتناغِمٌ عَزْفاً كما الشَّدو النَّدي

وتَوارَتِ الأحْزانُ من أكمامِها

كَولادِةِ الأطْفالِ منْ عودٍ طَري

لا تنضُبي، لا تبخَلي، وتَكَلَّمي

وارْوي منَ الأغْصانِ مُخْضَلَّ الرَّوي

ولْتحتَوي عطْرَ الأماني دَوْحَةً

فيها القُطوفُ وذلِكَ العِقْدُ الثَّري

ولْتَسكُبي الأمْثالَ في أرْواحِنا

تسْمو بِنا الآمالُ للفجْرِ السَّني

ولْتَلثُمي السّاعينَ نحْوَ كَرامَةٍ

فعَطاءُ ربّي خيرُ ما يَرجو التَّقي

هلّا اكتفَيتِ أميرَتي بِبوادِري

ليعودَ لي شِعْري منَ الوادي القَصي