أكبر كذبة في السياسة الدولية
ضعوا خطاً تحت مصطلح «النظام الدولي القائم على القواعد» وما يعرف اختصارا بـ«RBio» فقد اهتزت أركانه وظهر في أوضح صوره في الحرب الأوكرانية– الروسية والحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة.
وبالأمس وبعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو انكشف الزعماء الغربيون وتعرضوا لانتقادات بحسب وصف «جيروم روس» في صحيفة «The New Statement» بسبب معاييرهم المزدوجة الصارخة، حيث وصل الأمر بالرئيس بايدن إلى فرض عقوبات على تلك المحكمة الدولية لتجرئها على اعتبار رئيس وزراء إسرائيل ووصفه بـ«مجرم حرب»؟
زعيمة العالم الحر بقيادة بايدن انقلبت تماماً على أهم ركيزة في النظام الدولي الذي أرسته ولم تلتزم به، بل كان تطبيقه انتقائياً، فما يسري على أوكرانيا وإسرائيل لا يسري على بقية الأنظمة والحكام في العالم، قالوها علنا... «نحن نرفض ذلك».
ما يتضمنه هذا المقال ليس تحليلاً بل وقائع مسجلة ووفق أحد كبار القادة قال «المحكمة الجنائية الدولية مبنية من أجل إفريقيا والبلطجية مثل بوتين»، والرسالة أوضح من الشمس، قواعد النظام الدولي «RBio» لا تنطبق علينا، وهي وجدت لمن يتمرد على مصالحنا أو يقف في طابور محور الصين–روسيا وحلفائهما.
المعايير المزدوجة باتت عقيدة راسخة في العلاقات الدولية التي تقودها أميركا، ولم يحدث قط منذ الحرب الباردة أن بدت الولايات المتحدة الأميركة أقل قيادة للعالم وأشبه بفصيل تقلص دوره إلى الدفاع عن صفّه المفضّل أمام خصوم متزايدي التحالف، بحسب مقال مؤلف كتاب «عالم الغد ولادة التفوق العالمي لأميركا» ستيفن فيرثبم والمنشور بجريدة «الجريدة» الأسبوع الماضي.
ومن خلال تحليل موسع نشرته صحيفة «نيو ستيتمان» الأميركية بعنوان «لماذا علينا التوقف عن الحديث حول النظام الدولي القائم على القواعد»، أوضحت فيه أنه بالرغم من كل الحماس الذي أبدته أميركا والالتزام بالمبدأ فإن محتواه يظل لغزا، هو «مرض كوميدي» لأنه يطرح أسئلة صعبة.
كانت مطالعة عميقة لهذه الفكرة الهجينة كما أسمتها الصحيفة والمصطلح نادراً ما استخدم قبل عام 2000 ولم يظهر إلا متأخراً في صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2012 واليوم لا يزال المصطلح المفضل للنظام العالمي الذي تقوده أميركا.
المصطلح وجد طريقه أكثر عند إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995 لتظهر فكرة قواعد التجارة العالمية، وربما كان القصد من هذا النظام الجديد القائم على القواعد أن يرتكز أكثر على التجارة الحرة... بعبارة أوضح، لقد تم اختراع هذا المصطلح كأداة بلاغية لمساعدة أميركا في مواجهة الصين الصاعدة.
الخلاصة إذا استمرت الولايات المتحدة في رفض التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سيبدو الأمر أجوف وعلى نحو مماثل، فإن اتهامات بايدن بالإبادة الجماعية ضد بوتين لن تجد آذاناً صاغية إذا استمر في دعم جرائم الحرب التي يرتكبها نتنياهو في غرة، ورفض التصديق على نظام روما الأساسي، وبالتالي الاعتراف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
ولم يعد الأمر مجرد مسألة نفاق غربي، ولا يقتصر الأمر على أن الغرب يضع أهدافاً سامية ثم يفشل في تحقيقها، بل إن المشكلة أعمق من ذلك، المشكلة هي أن الحكومات الغربية، من خلال إصرارها على أولوية نظامها القائم على القواعد، تعمل بنشاط على تقويض التعددية والنظام الحالي للقانون الدولي.
يحتاج الغرب إلى العودة إلى ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والاتفاقات الملزمة التي وقع عليها بالفعل، ويتعين عليه أن يتقبل أن لحظة الأحادية القطبية التي سادت في التسعينيات- مع هيمنة أميركا غير المتنازع عليها وعائد التجارة الحرة النيوليبرالية– قد انتهت.
يصل تحليل الصحيفة بالقول «إذا كان نقل رئيس وزراء إسرائيلي ورئيس روسي وعدد قليل من الزعماء الغربيين إلى لاهاي لمحاكمتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب، فإن هذا سيكون ثمنا زهيداً من أجل أن يسود السلام والعدالة».