هذا كتاب وثائقي أعده «خالد عبد اللطيف الإبراهيم» عن عائلة كويتية كبيرة ومؤثرة، أدت دوراً بارزاً في حياة الكويت الاقتصادية والثقافية، أُعدّ الكتاب من خلال تجميع وثائق عائلية وخارجية ومنشورة في بعض الأحيان، جُمعت بعد أن تراكمت في أماكن عدة داخل البلاد وخارجها، وفي كل المجالات التي امتد إليها نشاط العائلة التجاري والاجتماعي.
وثائق الكتاب تركز على الشخصيات البارزة فيها، غير أن الأسرة ربطت بشخصياتها ومشاهير تجارها وشيوخها الكويت بالهند، وشدت بخيوط وروابط الكويت وبعض دول المنطقة بأوروبا وبالدولة العثمانية والعالم العربي والإسلامي، وكل مكان ظهرت فيه مجالات تسويق اللؤلؤ وتجارة التمور ومواد أخرى من تجارة الخليج وبضائع الهند.
يبدأ الكتاب باجتذاب القارئ دون مقدمات أو تمهيد، إذ يجد نفسه فجأة في عصر الشيخ مبارك الصباح ورموز الإمبراطورية البريطانية، أو تراه ينظر إلى مباني الكويت وحاراتها القديمة، صور لأماكن ونشاطات كان الكثيرون يسمعون بها ولا يرونها ولا يزالون كالـ«محزاق» و«الدورة»، ولقطات «مكابس التمور»، وصفحات فيها أوراق منح جامعة ييل yale الأميركية لرسالة دكتوراه تتحدث عن «نخيل الإبراهيم»!
الكتاب ليس دراسة وبحثا في أسرة «بن إبراهيم»، بل يغلب عليه طابع الكاتالوج التاريخي، أو الأطلس الوثائقي، وقد تحدث نفسك بحاجة الكتاب إلى مقدمة مطولة في أسرة الإبراهيم الكريمة ودورها ونشاطها، تساير وتشرح وتربط كل هذه الصور والوثائق النادرة التي يعرضها الكتاب بشكل متقن.
هل لا تزال الصور القديمة التي صورت على الأرجح بالكاميرات الشمسية، بهذه الدرجة من الوضوح والتجسد، كصورة «مسجد الإبراهيم» ص39، أو «حي البهيتة» ص41، أو صور قصر السيف «والجسر الرابط بين قصر السيف ومقر إقامة الشيخ مبارك الصباح» ص31، والصور الافتراضية ص32 و33 وغيرها؟ أم أن الصور كلها عولجت إلكترونيا وبوسائل أخرى كي تترك لدى القارئ هذا الانطباع؟
صورة «ما تبقى من حي بهيتة بعد الهدم»، ص41، تثير الأسى والأسئلة، حول سر ولع العمرانيين والمخططين في الكويت بهدم وإزالة المباني القديمة التي تعتيرها دول وشعوب آخری مباني مقدسة! ففي فترة قصيرة تمت تسوية الكويت القديمة بالتراب! ومُسحت مبان تاريخية وإدارات حكومية جميلة البناء مثل «دائرة المعارف» أو وزارة التربية القديمة، وأزيلت أربعة أو خمسة مبان سينمائية شرقي مدينة الكويت وفي حولي، وباتت أحياء كاملة أثراً بعد عین، دون وجود خطط معمارية بديلة، لا للكورنيش البحري ولا لداخل المدينة على امتداد سنوات طويلة.
وأتساءل كذلك بالنسبة إلى الساحل في المنطقة ما بين الدائري الثاني والمدينة، هل جرت عمليات بحث وتنقيب في أحياء الكويت القديمة مثل بهيتة والحي الشرقي والقبلي وفي مراسي الأبوام وأماكن رسوها في «النقع»؟ كانت «نقعة الإبراهيم» يقول كتاب «بيت بن إبراهيم»، مقتبساً عن كتاب «تاريخ الغوص على اللؤلؤ» للمؤرخ سيف مرزوق الشملان، 1986، ص231، إن هذه النقعة «كانت موجودة قبل بناء قصر السيف»، (بيت بن إبراهيم، ص46)، وقد انتهى بناء قصر السيف في زمن الشيخ مبارك الصباح سنة 1906. (ص48).
في المجال التعليمي، يشير كتاب «بيت بن إبراهيم» الوثائقي إلى قيام الشيخ علي الإبراهيم بإرسال «أول طالب علم إلى الأزهر على نفقته الخاصة، والطالب هو الشيخ أحمد الفارسي». (ص63). وفي الكتاب أن «علي بن محمد الإبراهيم» وزع في الكويت وعلى نفقته الخاصة كتاب «نيل المآرب بشرح دليل الطالب» للشيخ الإمام عبدالقادر بن عمر الشيباني، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأعاد طباعته علي بن محمد آل الإبراهيم «من الكويت سنة 1288هـ- 1871هـ» في «مطبعة بولاق» بمصر، ومن المعتاد أن الكثير من الكتب الدينية وغيرها كانت تطبع في مدينة بومباي بالهند لوجود مطابع الحرف العربي هناك، وبخاصة منذ أن أفتى العثمانيون بتحريم الطباعة في الدولة، وبخاصة الكتب الدينية، وكانت السلطات تسمح لغير المسلمين كاليهود طباعة كتبهم الدينية، فهم أول من أدخل فن الطباعة إلى القسطنطينية أو «الآستانة» أو إسطنبول مع هجرة العالم اليهودي «إسحاق جرسون» عام 1492 وخشي السلطان بايزيد الثاني أن يستفيد رعاياه من الاختراع الجديد، فما كان منه إلا أن أصدر في سنة 1485 أمراً يحرم فيه على غير اليهود استخدام فن الطباعة.
(مطبعة بولاق، خالد عزب وأحمد منصور، الإسكندرية 2005، ص27-28).
وتشير ص67 من كتاب «بيت بن إبراهيم» إلى أن الشيخ علي بن محمد الإبراهيم قد وقف كتاب «شرح الأزهرية في علم العربية»، وهو كتاب في النحو من تأليف الشيخ خالد بن عبدالله الأزهري، وتشير ص66 إلى وقف مخطوطة مقدمة من الشيخ علي بن محمد الإبراهيم، وهو كتاب «معالم التنزيل» لأبي سعود البغوي، من رجال القرن الرابع الهجري.
ومن وثائق كتاب بيت الإبراهيم المهمة إيصال استلام السيد عبدالرزاق الخالد نيابة عن «الشيخ مبارك الصباح» من «الشيخ عبدالعزيز ابن علي إبراهيم مبلغ 76 ألف روبية، وأعطيت شهادة براءة الذمة المالية من «الشيخ مبارك الصباح» الى عموم «الإبراهيم» بعد استلام الشيخ مبارك وديعة الكويت عن طريق السيد عبدالرزاق الخالد. (ص 74-75).
ويقتبس الكتاب عن كتاب «مرآة الحرمين» للمؤلف المصري «إبراهيم رفعت باشا» أن «المرحوم الشيخ عيسى الإبراهيم كان رجلا ورعاً همه القضايا الإسلامية وكانت للأسرة بيوت في مكة المكرمة تسمى «حوش الكويتيين» وموقعها على طريق السيل قرب سوق حراج الخردة حاليا». (بيت الإبراهيم، ص72).
ويعرض الكتاب تقريرا للمقيم البريطاني، 24/3/1910، «عن التبرع والدعم المقدم الى الشيخ مبارك الصباح من الشيخ عبدالعزيز الإبراهيم وهو التخويل بالسحب من حسابه البنكي بدون حدود، وثلاثة آلاف کيس رز وسيارة وعربة نقل»، وذلك، تقول الرسالة، «لحملته العسكرية المرتقبة».
ويورد مؤلف الكتاب ص68، أن «جد العم صالح العجيري رحمه الله ذهب الى عبدالعزيز الإبراهيم في بومبي عام ألف وثمانمئة وثمانين، وقضى جد العم صالح العجيري عند الإبراهيم ثماني سنوات في الهند، تعلم فيها اللغة الإنكليزية».
ومن حديث للدكتور هشام العوضي في الكتاب أن «الشيخ يوسف الإبراهيم أحضر أدوات الأكل الأوروبية، كالملعقة والشوكة والسكين لأول مرة إلى الكويت من الهند للرحالة الأميركي (لوشر) الذي رافقه في أول رحلة لسفينة بخارية إلى الكويت عام 1860م».
وينقل الكتاب عن عبداللطيف العثمان أن مشاهدة السفن الحديدية البخارية «كانت أعجوبة وحدثاً فريداً لم تشهده الكويت من قبل»، وكانت السفينة البخارية التي حملت الشيخ يوسف الإبراهيم والأميركي (لوشر) «أول سفينة بخارية تدخل الكويت»، وذلك لإنزال بضاعة «رجل غني كان على متن السفينة، كانت له بضائع وكان له تأثير على الشيخ عبدالله الصباح» (ص111).
ويؤكد کتاب «بيت بن إبراهيم» العلاقة الوثيقة بين السيد «هلال المطيري» و«يوسف الإبراهيم»، وعن مساندة الإبراهيم لهلال المطيري في بناء منزله بعد أن أراد «هلال المطيري بناء أرض مجاورة له فاعترض جيرانه على البناء، فتوقف البناء، ولكن «بحكم قرب ومكانة يوسف الإبراهيم عند الشيخ محمد الصباح حاكم الكويت سُمح لهلال مجدداً بمواصلة البناء وقال له: لا تلتفت لأحد»! (ص 121).
ومن أخبار الكتاب مساعدة يوسف الإبراهيم للبريطاني الذي اعتنق الإسلام «ولیم ريتشارد وليامسون»، الذي نقله الإبراهيم سراً من الهند إلى الكويت، وتسمى فيما بعد باسم «عبدالله بن فاضل المسلماني، وفي رحلة التهريب، ألبس الإبراهيم المسلم البريطاني ملابس سايس خیل ودسه بین خیله الموجودة على ظهر السفينة بانكورا، وتوجه به إلى الكويت».
وقد تعود عبدالله في الكويت الخروج إلى البادية مع يوسف الإبراهيم ومع عرب قبيلة ظفير، وفي النهاية تزوج فتاة من نفس القبيلة اسمها نورة واشتغل في تجارة الإبل والخيل، وعرف عنه أنه خبير متميز! (ص129).
ومن طرائف الكتاب إشارته إلى معرض التمور واللؤلؤ عام 1939م في نيويورك! حيث نرى صورة الشيخ مصطفى يوسف الإبراهيم مع رئيس معرض نيويورك، وقد قام الشيخ مصطفى لاحقاً بتوقيع اتفاق مع شركة التمور العراقية لتصدير عشرين ألف طن من التمور إلى الولايات المتحدة وكندا وغيرها، كما أشارت «جريدة التايم» العراقية في عدد 11/5/1954.
وكان الشيخ يعقوب يوسف الإبراهيم «أول عربي يشتري سيارة (روز رویز) في بومبي»، وفي الكتاب صورة لقصر «جاسم الإبراهيم» في بومبي، ويضيف الكتاب أن بيت «الإبراهيم في بومبي كان أشبه بسفارة للكويتيين وأبناء الخليج والعرب من الجانب الإيراني القادمين من لنجة وبوشهر». (ص151).
ومما يشير إليه الكتاب أن جانباً من «النصال لاستقلال الهند دار في أروقة قصر جاسم الإبراهيم في الهند». يتبع، ، ،