فتوح الرقم: مبادرة 5% للطاقة فرصة للتميز والصدارة الاقتصادية
دعت عبر «الجريدة•» إلى استغلال فعاليات «عاصمة الثقافة العربية» لدعم الوعي بقضايا الطاقة
• «الاستثمار في تحول الطاقة بدءاً من عام 2025 يحقق عوائد تصل إلى 119 مليار دينار بحلول 2060»
شهدت الكويت في الأعوام الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة والتي فاقت 50 درجة مئوية، الأمر الذي أدى الى زيادة الأحمال والطلب على الطاقة وخصوصاً لأجهزة التكييف والتبريد، والتي تُعد المستهلك الأكبر للطاقة الكهربائية في البلاد، حيث تتطلب هذه الأجهزة نحو 70 في المئة من الأحمال الكهربائية و45 في المئة من استهلاكها.
مشاريع الطاقة أثمرت وفراً تراوح بين 10% و30% من استهلاك الكهرباء
ومع تزايد الطلب على الطاقة، تبرز الحاجة الملحة لضمان استقرار وتنوع مصادر الطاقة لضمان توفير الكهرباء بشكل مستدام وموثوق.
إن تطوير بنية تحتية حديثة وتبني مصادر الطاقة المتجددة وتعزيز كفاءة الطاقة هي خطوات ضرورية لتعزيز أمن الطاقة في الكويت.
جهود الترشيد
لقد بُذلت جهود عديدة في الدولة ساهمت في تقليل الأحمال الكهربائية وتأخير الحاجة لبناء محطات جديدة. سأذكر بعضاً منها لتوضيح أهميتها وضرورة الاستمرار في تطبيقها.
ففي عام 1983، طبقت مدونة الحفاظ على الطاقة والتي أعدها معهد الكويت للأبحاث العلمية بالتعاون مع وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، حيث كانت هذه المدونة الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط.
وهدفت هذه المدونة لتقليل الطلب على الأحمال الكهربائية من خلال استخدام المواد العازلة والزجاج الفعال وتحديد كفاءة أجهزة الإنارة والتكييف.
وتُعد تطبيقاتها المستمرة والتحديثات الدورية مؤشراً على التزام الكويت بالاستدامة البيئية والاقتصادية، كما أنه تتم مراجعة المدونة بصفة دورية لتواكب التطورات التقنية والفنية وزيادة نسبة الوفر.
تحديث مدونة الحفاظ على الطاقة
وجار حالياً مراجعتها مع الجهات المعنية لإصدار نسخة جديدة منها هذا العام، إن الفائدة التي نتجت من جراء تطبيق هذه المدونة اشتملت على تقليل الأحمال والتي جنبت الدولة من الاستثمار في بناء محطات قوى بسعة أعلى مما هو مطلوب حالياً، وقدر العائد من تطبيق المدونة حتى بداية عام 2000 من جراء تطبيق المدونة بحوالي 1760 ميغاوات من الأحمال الكهربائية وتوفير استهلاك الطاقة والوقود والذي قدر بحوالي 1.5 مليار دينار. واستكمالاً لتطبيق هذه المدونة ولتقنين استهلاك الطاقة والطلب عليها وخصوصاً وقت الذروة في فصل الصيف وتحديداً بين الساعة الثانية عشرة ظهرا والخامسة مساء، تبنت وزارة الكهرباء في الكويت برنامجاً متكاملاً لترشيد استهلاك الطاقة منذ عام 2009.
جارٍ حالياً مراجعة مدونة الحفاظ على الطاقة مع الجهات المعنية لإصدار نسخة جديدة منها العام الحالي
وهدف هذا البرنامج إلى تقليل الأحمال خلال فترات الذروة في الصيف (من مايو إلى سبتمبر)، وذلك عبر التعاون مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص، مثل الوزارات، والهيئات الحكومية، والبنوك، والجامعات، والفنادق، والمراكز التجارية.
وتميز هذا البرنامج بفوزه بجائزة أفضل مشروع إقليمي في منطقة الشرق الأوسط لعام 2015 من جمعية مهندسي الطاقة بالولايات المتحدة الأميركية، مما يبرز فعاليته ونجاحه العالمي واستكمالاً للجهود في الدولة، جاء معهد الكويت للأبحاث العلمية ليكمل مسيرة تقنين استهلاك الطاقة والحد من الطلب عليها من خلال عدة مشاريع تطبيقية مولتها جهات مختلفة مثل وزارتي الكهرباء والتربية لتحسين كفاءة استخدام الطاقة والطلب عليها في المباني الحكومية، والمدارس، والمرافق التجارية.
حيث تمكنت هذه المشاريع من تحقيق وفر تراوح بين 10 في المئة و30 في المئة من استهلاك الطاقة الكهربائية، مما أدى إلى تقليل الحمل الكهربائي بنحو 10 في المئة وتحسين الكفاءة العامة لتلك المنشآت، وحصلت أيضاً بعض هذه المشاريع على جوائز عالمية.
تعزيز استدامة الكويت
إن تقنين استهلاك الطاقة والحد من الطلب عليها يتطلب جهوداً كبيرة من جميع الأطراف، وخاصة الوعي العام بأهمية أمر أمن الطاقة واستدامته، وعليه قامت وزارة الكهرباء بعدة مبادرات لرفع مستوى الوعي العام، بما في ذلك برنامج حافز، يقدم خصومات على فواتير الاستهلاك الشهرية لتشجيع ترشيد استهلاك الكهرباء والماء.
كما تعمل الوزارة على وضع واعتماد الإجراءات القانونية والتنفيذية لإصدار قرار يسمح للوزارة بشراء الطاقة المتجددة المنتجة من الأفراد، بدءاً من المواطنين، حيث ستقوم الوزارة بشراء الطاقة المنتجة منهم بأسعار تشجيعية، بهدف تعزيز استخدام الطاقة النظيفة والمستدامة.
«التقدم العلمي» تؤدي دوراً مهماً في تعزيز الاستدامة وترشيد استخدام الموارد الطبيعية
وتؤدي مؤسسة الكويت للتقدم العلمي أيضاً دوراً مهماً في تعزيز الاستدامة وترشيد استخدام الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى نشر الوعي في جميع أنحاء الدولة من خلال مساهمتها في تمويل عدة مشاريع نفذها معهد الكويت للأبحاث العلمية، وأخرى ما زال يعمل عليها، مثل تركيب الخلايا الشمسية على أسطح المنازل ومواقف الجمعيات التعاونية، وإعداد تقرير آفاق الطاقة لدولة الكويت، وإنشاء واجهة تفاعلية لنظام الطاقة في الدولة، كل هذه المشاريع التطبيقية تصب في مجال نقل التقنيات وتوطينها ورفع مستوى الوعي العام.
دراسة تحول الطاقة
كما قامت المؤسسة أخيراً بتمويل دراسة شاملة في مجال تحول الطاقة للبلاد، حيث خلصت الدراسة إلى أنه إذا تم الاستثمار في تحول الطاقة بدءاً من عام 2025، فمن المتوقع أن تحقق الكويت عوائد مالية تصل إلى 119 مليار دينار بحلول عام 2060.
هذه العوائد ستأتي نتيجة للاستثمارات المستدامة في تحول الطاقة، من خلال زيادة السعة المركبة للطاقة المتجددة، وإعادة تأهيل التوربينات في محطات القوى، وإنشاء الشبكات الكهربائية الصغيرة، وإعادة تأهيل المباني، وتسعير الانبعاثات، واستخدام الهيدروجين الأخضر، والتغيير السلوكي، وغيرها من الحلول والتطبيقات التي تسهل تحول الطاقة وتقلل الانبعاثات، وباستثمار الكويت في تحول الطاقة، ستعزز التزامها بالاستدامة وقدرتها على بناء اقتصاد نموذجي ومستدام، بالإضافة إلى خلق فرص اقتصادية جديدة.
تعزيز التعاون الدولي
للقيام بالجهود المتوقعة ومبادرات تحول الطاقة لابد من تعزيز التعاون الدولي بين الكويت مع الدول الصديقة، حيث يشكل هذا التعاون الدولي في مجال الطاقة فرصة مهمة لنقل الخبرات التقنية وتوطين التقنيات المتقدمة، بالإضافة إلى وضع القوانين والمبادرات الفعّالة.
وتتمتع الدول الصديقة بخبرات هائلة في مجال الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، مما يجعلها شركاء مثاليين لتعزيز القدرات التقنية والتنموية في الدولة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن استغلال فرص التعاون لوضع القوانين والمبادرات التشريعية التي تدعم الاستدامة وتعزز الاقتصاد الأخضر والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
إن ما هو متاح من فرص متوافرة في الكويت اليوم ومن خلال التجارب والبرامج التي تم تطبيقها في الدولة، ستتمكن الكويت من أن تخطو بخطى رائدة في مجال تحول الطاقة.
رئاسة الكويت لمجلس التعاون وعاصمة للثقافة العربية
إن ما واجهنا في الآونة الأخيرة من الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة خلال فصل الصيف الذي نحن حالياً في بدايته يستدعي منا اتخاذ احتياطات لتفادي زيادة الطلب على الأحمال وتجنب الحاجة لانقطاعات الكهرباء.
وعليه تتضح أهمية تحقيق أمن الطاقة المستدام للدولة ومنطقة الخليج العربي، ومن خلال ما استعرضته من مشاريع ومبادرات في الدولة ومعاينة الخبرات المحلية والتجارب العالمية، يتعين علينا المبادرة إلى وضع الحلول وتوطين التقنيات الجديدة لتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، ودعم القدرات على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء بطرق مستدامة وفعالة.
وبما أنه في عام 2025، ستحتضن الكويت دور رئاسة دول مجلس التعاون الخليجي وستتوج عاصمة للثقافة العربية، ومع هاتين المكانتين البارزتين تأتي مسؤولية كبيرة لتلبية الاحتياجات المتنامية للطاقة الكهربائية، ففي ظل هاتين الفرصتين المتمثلتين في رئاسة الكويت للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2025 وتتويجها عاصمة للثقافة العربية، يمكن للكويت استغلالهما لدعم مسيرة الابتكار وتعزيز الاستدامة.
مبادرة الـ 5%
وبالتعاون مع دول المجلس، أقترح أن تسعى الكويت من خلال مبادرة «الخمسة في المئة» إلى تحقيق هدف مشترك مع دول المجلس من خلال تقديم جهود مشتركة وموارد مالية وتقنية ألا وهو تخفيض استهلاك الطاقة والأحمال الكهربائية بنسبة 5 في المئة بعام 2025، مع تحديد السنة الأساسية لهذا الهدف.
وبالتوازي مع دور الكويت كعاصمة للثقافة العربية، يمكن استغلال الجهود التنظيمية وتوجيه بعض الفعاليات لاستغلال الموارد المتاحة لتعزيز الجهود داخل البلاد وخارجها، بهدف رفع مستوى الوعي العام حول قضايا الطاقة وكفاءة الاستهلاك والتسويق لمبادرة الخمسة بالمئة حيث ستعكس هذه المبادرة رؤية الكويت الاستراتيجية في تعزيز الاستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. ومن خلال التعاون المستمر والجهود المشتركة، تطمح الكويت إلى أن تكون رائدة في مجال الابتكار والاستدامة على المستوى الإقليمي والعالمي، محققة بذلك فوائد اقتصادية وبيئية تستمر على المدى الطويل.
«نادي الـ 3%» يحد من تغير المناخ ويعزز الازدهار العالمي
ذكرت د. فتوح الرقم أنه في سبتمبر 2019، أطلقت مجموعة من الدول والشركات العالمية «نادي الثلاثة في المئة» خلال قمة العمل المناخي للأمم المتحدة في نيويورك.
وبينت الرقم أن النادي يهدف إلى تحقيق زيادة سنوية بنسبة 3 في المئة في كفاءة استخدام الطاقة بالدول المشاركة، وهو ما يسهم في الحد من تغير المناخ وتعزيز الازدهار العالمي.
ولفتت إلى أن النادي يضم دولاً مثل المملكة المتحدة، والهند، وإيطاليا، والبرتغال، وكندا، والأرجنتين، والدنمارك بالإضافة إلى شركات ومنظمات داعمة كبيرة، موضحة أنه من خلال هذا التحالف تقدم الشركات المساهمة المنهجيات والحلول الفعّالة من حيث التكلفة والجاهزية لتوفير الطاقة وتحسين التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدول المشاركة.
وأكدت أن تطبيق هذه الحلول ورفع كفاءة الطاقة يتطلب جهداً منسقاً لزيادة اختراق السوق بتقنيات الطاقة الفعّالة والحلول التشغيلية.
وبينت أن شركاء نادي الثلاثة بالمئة يتعاملون مع الدول الأعضاء لوضعها على مسار مستدام نحو تحسين سنوي بنسبة 3 في المئة في كفاءة الطاقة من خلال مواءمة حلول كفاءة الطاقة مع احتياجات القطاع الاقتصادي والاستخدام النهائي للطاقة، لافتة إلى أنه من خلال هذا التحالف يتعهد الشركاء الصناعيون بتوفير الدعم التقني والمالي للدول المشاركة.