قد تُقبل التجربة والخطأ على مستوى حياتنا الشخصية، في نشأتنا، في علاقاتنا، في تجاربنا الحياتية، دراسة، صداقة، حياة زوجية، عمل أو وظيفة، في محيطنا الأسري، أو ارتباطات الصداقة والرفقة.

نعم، لكنها لا تُقبل ولا تُبرّر بحق الوطن.

Ad

والمؤكد، أنها لا تُقبل ولا تبرر أن تتكرر بحق الوطن.

نعم، خطابي مُوجّه لك... لمن يهمهم الأمر، وأقصد ذلك تحديداً.

فبمكانتك، ومنصبك، ومسؤولياتك، وأعمالك، وكل علاقاتك وارتباطاتك بالوطن.

أنت معنيّ ومقصود ومحور لهذا الخطاب.

اسمعها مجلجلةً تتردد أصداؤها في أعماقك وحولك وفي مواجهتك: التجربة والخطأ... لا يُقبلان بحق الوطن.

فقد شهد وطني الكويت منذ الاستقلال 46 حكومة و17 فصلاً تشريعياً لـ 25 مجلس أمة وانتخابات برلمانية، وتم تهديد وجود الوطن مرتين، عند استقلاله، ولحظة غدر بغزوه، ومرّ بأزمتين ماليتين طاحنتين.

وشهد الوطن نهضة واسعة تنموية وعمرانية وفكرية وتعليمية واقتصادية منذ 1962 حتى 1985، وكابد كبوة وتراجعاً مخيفاً على كل الصُّعد منذ 1985 حتى 2020.

ونعيش اليوم، منذ 2020، مرحلة إعادة بناء الذات وتجديد الثقة بقدرات الوطن وأبنائه، وتصحيح المسار، وهي مرحلة واعدة وجميلة تبعث على التفاؤل والتفاعل والإسهام الجاد.

لكنها مرحلة لا تقبل التجربة والخطأ، فقد تجاوزنا كل ذلك، ولدينا رصيد ثريّ من النجاحات والإخفاقات والتجارب التي لم يعد مقبولاً معها التجربة.... والخطأ.

الحمد لله، فلدينا اليوم أمير دشّن مرحلة تصحيح المسار بخطابات أرست قواعدها، وأكدت الثوابت الوطنية والمنظومة الدستورية والمؤسسية للكويت، وجاء عهد الحزم والعزم والإنجاز.

وعلى الرغم من التعطيل المؤقت لبعض أحكام الدستور، فإن جوهر الدستور وأساسيات الدولة ومؤسساتها وحرياتها مكفولة ومصونة.

أما وان مجلس الأمة غائب لعدة سنوات، فالتحدي الحقيقي للخروج من مرحلة التجريب والخطأ اليوم في عهدة الحكومة ورئيسها، فسبيل العودة إلى حقبتَي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بكل مظاهر قوتها ونجاحها وبالتطوير فيها والانطلاق منها، أمام ناظري الحكومة، فلا محل للتجريب والخطأ.

كما أن مراحل الإخفاقات والتراجع بآثارها وتداعياتها ودروسها تحت يد الحكومة وفي متناولها، فلا يُقبل التجريب والخطأ.

البلد ثري بالإمكانات البشرية وقدراتها وتنوّعها، والوطن غني بثروته وإمكاناته المالية، والكويت بلد محدود المساحة قليل السكان، قضاياه ومشكلاته معروفة ومحددة لا تتجاوز 13 مسألة:

(غياب خطط زمنية مؤطرة وقابلة للتنفيذ والقياس، وإعادة بناء الإنسان الكويتي، وإشكاليات العبث بالهوية الوطنية، وإسكانية، وسكانية، وتعليمية، وصحية، وبنية أساسية، وعدالة، وتكافؤ فرص، وخلق وظائف وتوظيف، ومواجهة متغيرات إقليمية، وحُسن توجيه الموارد وتعظيمها).

فقط نحتاج إلى حكومة ببرنامج زمني محدد، تملك رؤية وقراراً وعزماً، وفِرَقاً من أبناء الوطن المجتهدين والجادين لقيادة المؤسسات والمشروعات.

حينها سنصنع جنة الوطن، وستتحدث الإنجازات وتتوالى الإبداعات، فينزوي المفسدون ويتوارى المجرمون، وستختفي الاتكالية والمحسوبية والواسطة، وحينها تتجدد الهمم، وتشحذ الطاقات، ويصحح مسار الوطن بالإنجاز والتنمية والتمييز الذي خبره الوطن وعاشه، درّةً للخليج.

فنحن بحاجة إلى مرحلة البرنامج المحدد، والجدول الزمني، والجدية والعمل الدؤوب، وتمكين الشباب، وتحرير المؤسسات، لنتولى بعد ذلك سرد حكاية نجاح تجديد البلد بعد طول سبات.

لكن، وبالتأكيد، لن نَقبل بالتجربة... والخطأ.