خبر محزن أن تقرأ أن صحيفة «البلاد» السعودية توقفت عن الصدور ورقياً واكتفت بالنشر عبر موقعها الإلكتروني، هذا الحدث ليس الأول من نوعه فقد سبقه توقف أشهر الصحف العربية عن الصدور ورقياً وهي «الحياة» وبعدها «الشرق» و«الندوة» السعوديتان ثم لحقتهما «السفير» اللبنانية (2017) وجريدة «الأنوار» التونسية (2022) ثم ليبرتي» الجزائرية والناطقة باللغة الفرنسية (2022)، و«الأنوار» اللبنانية وغيرها من المطبوعات على المستوى العربي.

تعددت الأسباب والإغلاق واحد، إنما لكي يكون الحديث متزناً، نحتاج إلى التمييز بين صحيفة قررت التوقف عن الصدور لأسباب اقتصادية ومالية وأخرى إعلان موتها بادعاء المنافسة الشرسة بينها وبين الصحافة الإلكترونية، ولست من القائلين إن اختفاء الصحف الورقية مسألة وقت لأن من يقول هذا الكلام يتهرب من المواجهة والاعتراف بالأسباب الحقيقية لتراجع الصحافة الورقية.، فنحن اليوم نخاطب قراء مختلفين وهم بخلاف قراء الأمس وصحافة الأمس، وإذا ما عرفنا احتياجات القارئ ورغباته يسهل علينا التعامل معه واللغة التي يرتاح إليها، الواقع أن «البديل الرقمي» للصحف الورقية التي أعلنت الإغلاق لم يسد الفراغ ولم يكن على مستوى التحدي والقدرة على الانتشار.

Ad

أين «الحياة» الإلكترونية اليوم من الأمس؟ وأين «السفير» اللبنانية من أعداد الأمس؟ وأين «الوطن» الإلكترونية الكويتية من «الوطن» الأمس؟ بالتأكيد هناك فشل تام إذا ما كانت هذه الصحف هي المقياس الماثل أمامنا، فباعتقادي أن الصحف الورقية لم تمت كما يتم الاستسهال بقوله، بل المشكلة أنه لم يتم إنتاج محتوى ورقي جديد يتماشى مع أسلوب العصر وأدواته الرقمية.

معظم الصحف العربية التي نشأت لها مواقع إلكترونية استمدت قوتها وتأثيرها من الطبعة الورقية واكتفت بنقل النص الأصلي مع بعض الخدمات، ولا شك أن هناك عزوفاً عن قراءة الصحف الورقية، وبات من النادر أن تجد شخصاً يقرأ صحيفة ورقية أو يحملها في إحدى يديه، لكن لم يطرح أحد معضلة ويسأل نفسه: لماذا هذا الإحجام عن قراءتها؟ هل بسبب ضحالة المحتوى وعدم التجديد أم بسبب «ثورة الاتصالات والمعلومات»، أم بسبب عدم الفصل بين صحيفة ورقية كاملة الدسم وصحيفة إلكترونية مختلفة تماماً؟

زميل صحافي مقيم في لندن يعقب على الظاهرة بقوله ما زالت معظم الصحف البريطانية العريقة تصدر «دستة» من الملاحق المتخصصة والورقية أيام العطل الأسبوعية، ولديها قراء يتزايدون مقابل صعود الصحافة الإلكترونية.

زبدة الكلام أن جزءاً كبيراً من المشكلة يكمن في أجهزة التحرير التي لم تبذل جهداً ولا أقدمت على التغيير في محتوى الصحيفة الورقية، بل ذهبت إلى ترشيد الإنفاق والتقليل من المصروفات وإنقاص عدد الصفحات؟

سيكون من المفيد والمجدي التوقف عند صحافة التحليل والرأي وصحافة الاستقصاء، والإضافة المتميزة للحدث الساخن وهي كما يبدو أحد الحلول التي يمكن اللجوء إليها للحفاظ على حيوية الصحف الورقية لتكون أكثر فاعلية، خصوصاً لجيل الإنترنت والآيفون وخلافه، فهذه الشريحة ستكون هي بيضة القبان في مستقبل الصحافة.