منذ الستينيات، ومع بداية حقبة الوفرة المالية، عمدت الحكومة إلى استحداث علاوة للأطفال وصرفها كجزء من رواتب موظفي القطاع الحكومي، حيث كانت هناك حاجة إلى زيادة عدد سكان البلاد وإيجاد قنوات مناسبة لتحويل جزء من عائدات النفط الى المواطنين.

وخلافا لما هو متّبع في الدول الصناعية الغنية، بتخصيص الإعانات الاجتماعية، التي تشمل عادة جميع الفئات المستحقة، فقد تم ربط هذه المساعدات الاجتماعية في الكويت حصريا بالتوظف في القطاع الحكومي، غالبا بسبب الرغبة باستقطاب المواطنين للعمل بالوظائف الحكومية في بداية الأمر، ثم استمر العمل بهذه الآلية بعد ذلك، بسبب تركّز جُل قوة العمل الوطنية في القطاع العام وسهولة إدارة هذه الإعانات من خلال الرواتب الشهرية للموظفين.

Ad

ورغم أن هذه العلاوات تسجل في الميزانية العامة للدولة ضمن بنود تعويضات العاملين التي تقدّمها الحكومة لموظفيها المشتغلين في إدارة خدماتها ومشاريعها، فإنها في واقعها أقرب الى بند التحويلات المالية، أي المدفوعات التي تتم من دون مقابل، وتمثّل شكلاً من أشكال إعادة توزيع الثروة (أو الريع)، وهي ترتبط غالباً بتحقيق أهداف اجتماعية أو اقتصادية محددة، مثل الحد من الفقر، أو تشجيع الفنون والابتكارات، أو دعم المبادرات المحلية.

ومن هذا المنطلق، فإنّ العلاوات الاجتماعية ليست أجوراً بالمعنى الاعتيادي المفهوم، وذلك بسبب عدم ارتباطها مباشرة بإنتاجية الموظف ومهاراته ونوعية العمل الذي يؤديه. وقد تزايد الإنفاق على هذا البند بشكل مطّرد، حتى وصل عام 2023 الى نحو 1.3 مليار دينار.

وتستحوذ علاوة الأطفال على الجزء الأكبر من مخصصات العلاوة الاجتماعية، حيث يمنح الموظف علاوة 50 ديناراً لكل طفل، وبحد أقصى لـ 7 أطفال.

إلا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية اختلفت اليوم عمّا كانت عليه قبل سنوات، وباتت تستدعي التوقف وإجراء مراجعة جادة للآثار الاجتماعية والاقتصادية التي ترتبت على هذه الإعانات، ومن ثم إعادة صياغتها وتوجيهها بشكل يتناسب مع الظروف الراهنة والمستجدة. ويمكن تلخيص تلك الآثار في التداعيات التالية:

أولاً: التداعيات الديموغرافية

من المعروف أن معدلات الإنجاب والخصوبة تتأثر بعدد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية، مثل مستويات الدخل والتعليم والرعاية الصحية والسكنية، وغيرها، كما تؤثر السياسات الحكومية بشكل مباشر في هذه المعدلات، وذلك على سبيل المثال من خلال الحوافز المالية للإنجاب والزواج وحملات التوعية وبرامج تنظيم الأسرة، وغير ذلك.

وقد شهدت المعدلات السنوية لنمو عدد السكان الكويتيين زيادات كبيرة وبشكل ملحوظ خلال العقود الثلاثة الأولى بعد الاستقلال، ثم بدأت بالتراجع تدريجياً بعد ذلك، حيث تبلغ حاليا نحو 2 بالمئة سنوياً.

ورغم هذا التباطؤ النسبي في معدلات نمو السكان الكويتيين، فإنها لا تزال عالية مقارنة بمعدلات النمو العالمية، وخاصة في الدول الصناعية التي شهدت خلال السنوات الأخيرة تراجعاً ملحوظاً، بل وتحولت إلى نسب سالبة في بعض الحالات.

ويعكس هذا التراجع عالمياً التغيّر في الظروف الاقتصادية وأنماط الإنتاج الجديدة التي تعتمد على الميكنة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتزايد الرغبة في الحد من الآثار البيئية السلبية الناتجة عن التوسع السكاني. كما يعكس، من جانب آخر، التطورات في مجالات الطب التي ساهمت في زيادة معدلات الأعمار وتحسين إنتاجية للأفراد.

ولا شك في أن السياسات الحكومية المحلية الرامية إلى دعم وتكوين الأسرة والإنجاب قد نجحت في تحقيق زيادة ملحوظة بعدد سكان المجتمع الكويتي في السنوات الماضية، لكن استمرار التزايد بهذا المنوال مستقبلاً سيؤدي إلى ارتفاع الأعباء المالية للدولة واستنزاف الموارد والمقومات البيئية إلى معدلات غير مستدامة.

وهنا يجب التذكير بأن الأعباء المالية للإنجاب لا تقتصر على الزيادات في مخصصات العلاوات الاجتماعية، لكنها تشمل أيضاً نفقات الرعاية الصحية والاجتماعية، كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن وعاء الإيرادات العامة في الكويت رغم سعة حجمه النسبي، فإنه يفتقر إلى المرونة بسبب أحادية الاقتصاد الوطني وتركيز اعتماده على النفط، وغياب أو ضعف النظام الضريبي.

وعلى الرغم من غياب البيانات الإحصائية والدراسات حول التأثير الديموغرافي للإعانات المالية في الكويت، فإن الدراسات في دول أخرى تشير إلى أن أثر الدعم المالي على الإنجاب – وخاصة عندما يُمنح متساوياً للجميع - كان أكبر بكثير بين الأسر ذات الدخل المنخفض والتعليم المحدود، حيث اعتمدت هذه الأسر بشكل كبير على الدعم المالي لتحسين ظروفها المعيشية، وحيث كانت تكلفة الفرصة البديلة للأسر ذات التعليم العالي عالية نسبةً الى حجم الدعم وغير مشجعة على الإنجاب. كما يمكن الاستنتاج أيضاً أن ثبات علاوة الأطفال عند مستوى 50 ديناراً لكل طفل لفترة تزيد على 4 عقود قد أسهم في تقليص القيمة الحقيقية للدعم بمرور الوقت، وبالتالي تزايد انحياز تأثيرها على الأسر ذات الدخل المنخفض.

ثانياً: عزوف المواطنين عن العمل في القطاع الخاص

تشكّل العلاوة الاجتماعية في القطاع العام نسبة ملموسة من تعويضات العاملين قد تصل أحيانا الى 40 بالمئة لبعض العاملين في الدرجات الدنيا، وهو الأمر الذي أسهم بشكل مباشر في رفع الأجور، مقارنة بما يقدمه القطاع الخاص.

ومن ثمّ فإن هذه العلاوات تمثّل أحد أسباب عدم التوازن بين الأجور النقدية للعمل في الحكومة والقطاع الخاص. وقد أدى هذا التفاوت في الأجور - علاوة على الميزات العينية التي يوفرها العمل في القطاع الحكومي - الى تركّز نسبة العاملين الكويتيين في القطاع الحكومي بنسبة تقدر بأكثر من 85 بالمئة.

ثالثاً: التركيبة السكانية

تعاني الكويت حالياً ما يسمى بمشكلة التركيبة السكانية، حيث يشكل المقيمون من العرب والأجانب نسبة تزيد على 70 بالمئة من مجموع سكان البلاد.

وقد ساهم الارتفاع النسبي للأجور في القطاع العام، كما أشرت أعلاه، في عزوف المواطنين عن العمل في القطاع الخاص، وبالتالي زاد الطلب على العمالة الخارجية. وإضافة إلى تأثير تفاوت معدلات الأجور بين القطاعين، أدى تزايد معدلات الإنجاب بين المواطنين وصغر الفئات العمرية للكويتيين الى خلق طلب إضافي على العمالة الوافدة، خاصة في قطاعات الخدمات، وإلى تحجيم مشاركة المرأة في قوة العمل، بسبب الحاجة الى التفرغ لرعاية الأطفال.

وقد يتعارض هذا الرأي مع النظريات الدراجة، التي ترى أن صغر الفئات العمرية سيقلل من الحاجة إلى الاعتماد على العمالة الوافدة، إلا أن واقع الاقتصاد الكويتي اليوم يدحض هذا الرأي، حيث يتجه معظم الداخلين الجدد الى سوق العمل من المواطنين للتوظف في القطاع الحكومي.

وبناء على ما سبق، يمكن القول إن هناك حاجة ملحّة لإعادة النظر في علاوة الأطفال التي تقدمها الدولة وإعادة تشكيلها وفق المنهجيات المقترحة التالية:

1- عدد الأطفال المشمولين وقيمة الدعم

يجب استحداث نظام جديد لعلاوات الأطفال للمستحقين الجدد، حيث يتم بموجبه خفض عدد المشمولين بالعلاوة الى طفلين أو 3 فقط - كما هو معمول به في العديد من دول شرق آسيا والصين وإيران، كما يجب رفع قيمه العلاوة التي لم يتم تغييرها منذ أكثر من 40 سنة الى حدود واقعيه تتماشى مع التكاليف المعيشية اليوم. كما أن الزيادة في قيمة العلاوة ستشجع الأسر ذات الدخل المتوسط على زيادة الإنجاب، وتخفيف حيّز الإنجاب لدى فئات المواطنين الأقل تعليماً والأدنى دخلاً.

2- شروط الأهلية والاستحقاق

هناك حاجة ماسة إلى فك ارتباط العلاوات الاجتماعية وعلاوة الأطفال بنظام الوظائف والرواتب في القطاع الحكومي وجعلها متاحة لجميع المواطنين العاملين في البلاد، مما سيسهم في إعادة التوازن بين أجور القطاع الخاص والعام، ويشجع على التوجه نحو العمل الحر. وهناك عدد آخر من الخيارات التي يجب بحثها كشروط للاستحقاق، مثل جنسية رب وربة الأسرة، والحد الأعلى لدخل المواطنين المشمولين بالعلاوة، والحالة الوظيفية لمتلقي الدعم، وهل تكون شاملة أم تخصص للقوة العاملة فقط، وطبيعة المساعدات الاجتماعية الأخرى التي يتلقاها المواطن المرشح لتلقي الدعم.

3- إدارة العلاوات الاجتماعية

ينبغي إدارة علاوة الأطفال كجزء من المساعدات الاجتماعية بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، وذلك لضمان التنسيق بين هذه العلاوة وبين المساعدات الاجتماعية الأخرى كمخصصات ذوي الإعاقة والأرامل وفئات الدخل المحدود.

كما يفضل ربط العلاوة الاجتماعية بالمرأة كربّة للأسرة، فهي التي تؤول إليها مهام الرعاية القانونية في حال الانفصال عن الزوج. ومن شأن ذلك أيضاً أن يشجع المرأة على المشاركة في قوه العمل في حال ربط العلاوة بالانخراط في سوق العمل.

* خبير اقتصادي